عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-2010, 01:58 PM   #1
د.رعد الغامدي
مستشار


الصورة الرمزية د.رعد الغامدي
د.رعد الغامدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32511
 تاريخ التسجيل :  12 2010
 أخر زيارة : 11-02-2015 (02:59 AM)
 المشاركات : 6,372 [ + ]
 التقييم :  75
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkcyan
وصمة المرض النفسي والحلول



وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي، كيف نصححها

لنبدأ أولا بطرح التساؤل التالي:
ما هو المرض النفسي، وما هي أسبابه، وكيف يمكن شفاءه؟!


تلك هي الأسئلة المطروحة أمام كل من له اهتمام بشفاء إعتلاله

النفسي الخاص به،أو الإعتلال النفسي الخاص بالآخرين الذين يود

لهم الخير ويهمه أمرهم.

إن القضية الرئيسية التي نود أن نناقشها هنا

هي مدى تفهُّم الناس للإعتلال النفسي.

وما أتذكره عن تجربتي الخاصة مع مشكلاتي النفسية
هو أنني كنت إذا ما صَّرحتُ بأني أعاني من اعتلال نفسي
أو اضطراب أو مشكلة نفسية فإني ألاحظ بأن درجة انتباه جلسائي لحديثي
ترتفع إلى نسبة تقارب الـ 100%، ويكون بعضهم قد آثار انتباهه
وإعجابه صراحتي في الحديث والتصريح عن مشكلاتي النفسية،

بينما البعض الآخر يكون قد ثار سخطه عندما تحدثت عن عيوبي وصرَّحتُ بها،
وهو الذي يرى بأنه كان ينبغي أن تبقى مخفية،
وأنه ينبغي أن لا يصرِّح الشخص بها بوقاحة
وإنما عليه بدلا من ذلك أن يشعر بالخجل والنقص.

كما أنني لاحظت بأنه كلما كان حديثي عن نفسي ومشاكلها يحمل
أعترافاً بوجود العلة النفسية ومصحوباً بالحديث عنها بإرتباك وخجل،
فإنه كلما كان الحاضرون يتمنون لو أني أصمت ولم أتحدث في هذه المسألة،

حيث الذين لا يرون عيباً في وجود الإضطراب النفسي هم إنما
يستغربون ارتباكي ويشعرون إزائه بالألم،

بينما الذين يرون عيباً في وجود الإضطراب النفسي، فإنهم يقولون لي:
ما دام الأمر يعتبر فاضحاً لك (مثلما نعتقد بأنه فاضحٌ لنا لو كنا في مكانك)
ومخجلاً، فلماذا إذاً تصرَّح بهذه الفضيحة.. لما لا تصمت؟!

إلا أنني عندما يحصل وأن أتحدث باتزان وثقة واطمئنان عن مشاكلي النفسية،
فإني ألاحظ بأن الأنظار والانتباه يتجه لحديثي بنسبة مئة بالمائة،
مصحوبة بتزايد نسبة التأييد لي بمواصلة الحديث ونسبة الإعجاب به،
حيث الذي لا يرى عيباً يصبح ينظر لي بإعجاب
وهدفه أن يتعلم مني كيفية الصراحة والثقة عند الحديث في هذا الأمر
الخالي من العيب والذي تعارف عليه المجتمع بالخطأ بأنه معيب،

بينما الذي كان يرى عيباً في التصريح عن الأتعاب النفسية فإنه
يتوجه بنظره إلي وتكون رغبته هي في السعي لإدراك
ومعرفة حقيقة أن هذا الأمر هو خالٍ من العيب،
وأن الحديث فيه لا يعتبر فضيحة،

ويسعى أيضاً لأن يتأكد بأني لست مرتبكاً ولست وقحاً يصرِّح
بعيوب نفسه دون أن يبالي بالذوق الإجتماعي،
وهو يكون في نظراته ونقاشاته معي إنما يحمل تساؤلات يطلب
فيها مني أن أحل له مشكلة عدم تمكنه من الحديث والتصريح
عن اضطراباته النفسية والتي يرى بأنها عيوب يجب أن تخفى.


والسؤال الآن هو: هل هناك إنسان خالٍ من التعب النفسي؟
وآثرت أن أسميه تعب أو اعتلال بدلاً من تسميته مرض
وذاك لأن المرض هو شيء أكبر من مجرد الأتعاب
ويستدعي التدخل الطبي المكثف؟

ما هو الفرق بين المرض النفسي والإضطراب النفسي والعقدة النفسية؟

هل الإصابة بالتعب النفسي والشفاء منه هما بيد الشخص نفسه ؟؟

أم أن التعب النفسي هو مثله مثل المرض العضوي، له أسباب بيولوجية،

ويصاب به الشخص أو يتعافى منه تبعاً للمشيئة الإلهية وبالأخذ بالأسباب

هل التعب النفسي هو إختلال في العقيدة الدينية
أم اختلال في المنطق الفكري أم المنطق الأخلاقي..؟؟؟
أم هو بسبب اضطراب جنسي أم سوء تربية أم بسبب ظروف إجتماعية
أم يصاب به البعض نتيجة ضعف في الشخصية
أم هو عادة سلوكية سيئة أم هو وراثة أم...إلخ؟!

هل التعب النفسي هو مرض القلب (بمعنى السريرة)
والمقصود في الآية الكريمة:
((فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ))
أم أنه هو الإبتلاء المقصود في الآية الكريمة:
((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ
وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ))


أم هو القرح المقصود في الآية الكريم:
((إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا
بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ))


ما الفرق بين المصاب بالذهان والمصاب بالعصاب؟!..
أيهم المريض نفسياً وأيهم المبتلى
وأيهم مريض القلب (بمعنى مريض الأخلاق)؟!..

لماذا تعارف الناس على أن المبتلى بالخوف أو الحزن بأنه مريض،
بمعنى ضعيف النفس الذي يحمل العيب والنقص أو الفضيحة
وهو ماتعارف الأطباء والأخصائيين النفسيين علي تسميته
وصمة المرض النفسي؟


هي أسئلة كثيرة تعمدنا إثارتها جملة واحدة قبل أن نجيب عليها بانفراد،
وذلك لهدف واحد هو أن نعرف مدى جهلنا بالشيء
أو الأمر إذا ما نظرنا له من زاوية واحدة،


ولكي نعرف كيف أننا سنتمكن من إدراك حقيقته إذا ما
نظرنا له من الزوايا المختلفة، والتي أعتقد أنه بمجرد طرح
تلك الأسئلة فإن حقيقة المرض النفسي قد بدأت تتكشف لنا.


وهنا أقول بأنه لا فرق بين المرض النفسي والإضطراب والعقدة النفسية،
سوى أن كلمة مرض تدل على الحالة الحادة التي
تستدعي دخول المريض للمستشفى
أو أن اضطرابه النفسي قد أثّر على جميع انفعالاته
وتفاعلاته السلوكية والفكرية،
بينما مقولة عقدة نفسية أو اضطراب نفسي تدل
على وجود مشكلة نفسية مركَّزة في مسألة واحدة مقابل
ترك المسائل أو الجوانب الأخرى من النفس بحالة جيدة
(كأن نسمع بأن فلان عنده عقدة من الطائرات
أو من النادي الفلاني أو من النساء أو...الخ)


وليس هناك شك في أن الكمال لله وحده، حيث لا يوجد إنسان
إلا ولديه اضطراب نفسي، وإنما الفرق هو في شدة هذا الاضطراب
أو شدة تأثيره في نفس صاحبه وشدة اهتمامه له،

أو ربما يكون السبب في عدم ظهور المعاناة من الإضطراب
هو أن المجتمع المحيط بالشخص لا يرى بأن ذاك الإضطراب
يعتبر اضطراباً وإنما يراه عين الصواب والإتزان

أو ربما الشخص نفسه يرى بأنه طبيعي جداً ولا يحمل أي اضطراب،
(كأن يكون الشخص على قناعة من أن الخوف هو أمر طبيعي جداً،
فهنالك سوف لن يعاني وسوف لن يضطرب إذا ما شعر بالخوف)

أما فيما يختص بالمرض النفسي وأسبابه وأسباب الشفاء منه
فإنه لا مجال للشك بأن المرض النفسي هو في حقيقته في العمق
يعتبر مرضٌ عضوي يحدث نتيجة لاضطراب في
الناقلات العصبية أو درجة نشاطها أو فاعليتها.

وما ينبغي قوله بهذا الصدد هو أن مشكلة المرض النفسي هي سرعة
دخوله في الحلقة المفرغة أو الخبيثة(Vicious Circle) وصعوبة خروجه منها.

ومعنى ذلك هو أن الشخص يصاب بالإكتئاب مثلاً نتيجة
نقص في فاعلية أو وافريه بعض النواقل العصبية، فيشعر الشخص بالإكتئاب،
ويؤدي شعوره بالإكتئاب إلى زيادة اضطراب النواقل العصبية،
فيزيد اكتئابه، وهكذا.

وفاعلية الحلقة الخبيثة في ما يختص بالمرض النفسي
هي شديدة وقوية نتيجة دخول التفكير في المسألة،

ولمجرد أن يصاب الشخص بالقلق أو الإكتئاب أو بعض
الأعراض الفصامية البسيطة الأولية،
فإنه لا يلبث أن يرجع لمسلماته الفكرية ليلتمس الحل لديها.

فإذا ما كانت تلك العقائد أو المسلمات الفكرية خاطئة أو ناقصة (وهذا
طبيعي عند الكل، حيث من النادر أن نجد إنساناً وصل إلى قمة الحكمة،
ومن النادر أن نجد مجتمعاً فكرياً تقوم أعرافه ومبادئه
ومسلماته والتي يتشربها الشخص، على الأعراف
والمبادئ الإسلامية كما نزلت دون وجود شوائب أو تناقضات
أوجدتها التربية ودخول الأفكار المغالطة عن طريق وسائل الإعلام
وعن طريق مسايرة العرف الإجتماعي والتراث وغيرها)، نقول،
فإن كانت تلك المسلمات خاطئة أو ناقصة فإنه سيحدث تهاوي لبنية الشخصية
وزيادة في حدة الأعراض النفسية وظهور صورتها
بأنها لاعلاقة لها بالناحية البيولوجية وتبدأ الشكوك بأن
ماأصاب الذات كان له علاقة بضعفها وخبثها وسوء سريرتها وعقوبة لها
(وربما التفكير في الحسد والسحر والعين والتلبس)


فإن كانت بداية المرض النفسي هي بداية عضوية بحتة شاءها الله
مثلما شاء للغير الإصابة بمرض القلب أو السكر أو الضغط
فإن ذلك لا يمنع أن يكون هناك استعداد وراثي مثلما هو الحال
في الأمراض العضوية (وهذا كسبب نحاول أن نفسر به
المشيئة الإلهية في حدود عقولنا رغم أن المشيئة الإلهية تظل فوق أي سبب)

إذن لا يستبعد أن يكون هناك توارث للجينات أو حدوث للمرض النفسي
نتيجة اختلاط جينتان ناقلتان من ذكر وأنثى(زوجان)
وظهورها لدى الذرية (الأبناء أو الأحفاد).

فإذا ما أتينا للأسباب الأخرى، والتي اختلفت فيها مدارس علم النفس،
(فمنهم من قال بأن المشكلة هي ظروف اجتماعية، بينما قال آخرون
بأنها تربية جنسية خاطئة نجمت عن اضطرابات نفسية ذات عمق
يتصل باضطرابات جنسية، وقال آخرون بأنها عادات سلوكية،
وقال آخرون بأنها عقائد فكرية خاطئة أو دينية ضالة) نقول،

أن كل تلك الأسباب هي ما نسميها بالعوامل التي تزيد
من فاعلية الحلقة الخبيثة التي تساهم في تطور الحالة النفسية للأسوأ
وتساهم في صعوبة الشفاء.

ونحن لم نقل بأنها تساهم في إيقاف فعالية الحلقة الخبيثة وذلك بسبب
أن الحلقة الخبيثة لابد أن تكون فعّالة في كل الأحوال فيما يختص
بالمرض النفسي (وذاك للسبب الذي ذكرناه، والذي قلنا فيه
بأنه يكاد يكون من المستحيل أن نجد إنساناً قد تربى في ظروف اجتماعية
مثالية أو تلقى التربية الجنسية السليمة تماماً
أو تعلم السلوكيات الإيجابية مطلقاً
أو العقائد الفكرية والدينية بشكلها المتكامل دون وجود شوائب)

ولذلك فإنه لا عجب إن رأينا كيف إن كل مدرسة من مدارس علم النفس
قد نجحت في إثبات وجودها وذاك لآن الأسباب التي ترتكز عليها
كل مدرسة تبعاً لما تؤمن به هي أسباب موجودة حتماً وذات تأثير بالفعل.

ولهذا جاز لنا أن نقول بأن المرض النفسي يبدأ كاضطراب عضوي
ثم يتطور بعوامل متعددة (multifactorial)

ونحن في مقالنا هذا إنما نتعامل مع
هذه العوامل المتعددة بحيث نسعى بقدر الإمكان إلى إيضاح الصائب
والخاطئ فيما يختص بالعقائد الدينية والفكرية والسلوكية،
ونحاول أن نكشف عن سبب اتخاذ الخطأ وتبنِّيه كعرف اجتماعي أو تربوي،
لنحاول بالتالي أن نقلل من فاعلية الحلقات المفرغة الخبيثة،
مما يجعل المشكلة قابلة للعودة (reversible) إلى المشكلة البيولوجية
والتي يظل أمر شفاؤها معلَّقٌ بالمشيئة الإلهية والأخذ بالأسباب الدوائية،
التي تمكن علم الأدوية من أكتشافها، وحتى يتم أكتشاف سبب علاجي آخر،
ربما دواء جديد، وربما في الهندسة الوراثية
.. وربما تعطيل أو تقليل فاعلية الحلقات الخبيثة إلى العودة إلى
وضع صحي نفسي أفضل، والذي ربما لا يوجد ما هو أفضل منه،
وربما هو الوضع الممثل للصحة النفس رغم بقاء بعض الإضطراب
النفسي بداخله، والذي ربما هو القرح أو الإبتلاء بالخوف والذي ورد في القرآن.


يتبع ........
.

المصدر: نفساني



 
التعديل الأخير تم بواسطة د.رعد الغامدي ; 17-01-2011 الساعة 09:56 PM

رد مع اقتباس