عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-2010, 02:47 PM   #2
د.رعد الغامدي
مستشار


الصورة الرمزية د.رعد الغامدي
د.رعد الغامدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32511
 تاريخ التسجيل :  12 2010
 أخر زيارة : 11-02-2015 (02:59 AM)
 المشاركات : 6,372 [ + ]
 التقييم :  75
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkcyan


إن ما نود أن نقوله

هنا هو أن هناك مغالطة اجتماعية صريحة

فيما يختص باستعابة المرض النفسي واعتباره فضيحة.

فإن كان المرض النفسي هو من نوع العصاب،

فإننا نقول بأن العصاب هو المرض الذي كان ينبغي علينا أن نسميه

الابتلاء، وأنه من المفروض أن لا يعتبر به عيب أو به أي فضيحة،

فالابتلاء هو أشد ما يكون على المؤمنين، فكيف نعتبره عيباً؟!..


أما إن كان المرض النفسي هو من نوع الذهان، فإنه ينبغي

علينا أن نعلم بأن الذهان قد يكون فيه ذهاب الإستبصار وهو ماتعارف

الناس على تسميته بالجنون وصاحبه أيضاً مبتلى

ومرفوع عنه القلم حتى يعود لرشده.

وقد يوجد في مجموعة الذهان أو العصاب، أو في

الأمراض النفسية الأخرى (كالمتعلّقة بالشخصية) ما يمكن أن

نسميه بمرض القلب بمعنى المرض الأخلاقي

(والذي ورد في الآية الكريمة) :

(في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً)

فالسايكوباثيين هم من أشد الناس تمثيلاً لمرض الأخلاق بمعنى

مرض القلوب (الوارد في الآية) والذين مرضهم يعتبر عيب وفضيحة،




والسؤال المطروح الآن هو : لماذا لا يكون المصاب بالقلق

والمكتئب والخجول والمريض بالفوبيا والهلع وو... الخ،

هم أناس ليسوا مبتلين (neurotic) وإنما مرضى قلوب (psychopathic)

وذلك من منطلق أنهم في اللاوعي (Unconsciousness)

هم الذين خلقوا القلق والكآبة لأنفسهم بهدف إشباع الغرائز

بطريقة ملتوية كما يقول أصحاب التحليل النفسي

(أي بهدف تحقيق الباطل)؟!.


والجواب على ذلك هو بإدراك أن أقصى ما يسعى له الإنسان

هو الوصول إلى الأمن النفسي والسعادة.. فهو يشبع الغرائز بهدف

أن يصل إليهما (الأمن والسعادة) فكيف إذاً يضحي بهما باختلاق

القلق والكآبة مثلاً في نفسه من أجل إشباع الغرائز والتي هو أصلاً

لا يسعى لإشباعها عبثاً وإنما بهدف تحقيق السعادة والأمن النفسي؟!.

إن هذا السؤال ننتظر أن يجيب لنا عليه المحللون.

ولكي نجيب نحن على هذا السؤال فإننا نقول بأن الحقيقة هي

أننا لانتعامل مع لا وعي الآخرين، وليس الله يحاسبنا على لا وعينا،

وإنما نحن نتعامل مع الآخرين، (ويتعاملوا معنا) داخل نطاق الوعي،

والله يحاسبنا على ما يدور داخل نطاق الوعي،

فلماذا نذهب لنحتكم إلى اللاوعي أو نحاكمه

ونعتبره بأنه هو المحدد لسلوك الفرد،

وأنه هو الذي يحدد ما إن كان ذاك الفرد يسعى للحق أم للباطل

(وهذا بدل أن نحتكم للوعي والذي لا مجال لغموضه

أو وضعه في مختلف المتاهات والإحتمالات)؟

فالشخص يصرح بكل صراحة بأنه لا يريد القلق

ولا يريد الباطل ولا الهم والغم ولا الخجل والإنطواء،

فلماذا نأتي بعد ذلك ونقول له : بل أنت تريده في لا وعيك!!.

فنحن لو سألناه بصراحة عن ما يريد،

وهو لو صارح نفسه بما يريد، لقال : أريد الأمن والسعادة.

ثم أننا لو أتينا وقارناه بحال المنحرف الذي يشبع غرائزه بكل صراحة

وبدون قلق أو كبت أو كآبة، فهل يجوز أن نقول بأنهما متماثلاتن؟!..

ثم أننا لو سألنا المنحرف: لماذا تشبعها؟!

فإنه سيقول بكل صراحة: لأحقق الأمن والسعادة،

فلو أننا بعد ذلك قلنا له: ولكنهما لم يتحققا، ثم قمنا

بإخباره وبإقناع سليم بأنهما سيتحققان لو أصلح نفسه، فإنه

ساعتها قد يسلك أحد مسلكين،

فهو إن لم يكن من مرضى القلوب الميؤوس منهم

(والذين يرفضون الصلاح) سيسعى جاهداً للصلاح

بهدف تحقيق الأمن والسعادة..

أليس هذا ببرهان كافٍ يدل على أن جميع بني الإنسان إنما يهدفون

في النهاية إلى تحقيق الأمن والسعادة وليس لمجرد إشباع الغرائز

المسلك الآخر الذي قد يسلكه هو أن يكون ممن يشبعون غرائزهم

ويسعون للأمن والسعادة عن طريق الإشباع وليسوا مستعدين للبحث

عن النهج السليم لتحمل القلق والكآبة واللذان هما حالان

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتبرهما

عبارة عن مسالك إشباع جنسي كما يدعي فرويد.


إننا في ختام هذا المبحث إنما نريد أن نخرج بفكرة بسيطة

تقول بأن علينا أن نفرق بين المبتلين،

وهم الذين يستحبون الهدى على الضلال،

وبين المريضة قلوبهم (أخلاقهم)،

وهم الذين يستحبون الضلال على الهدى،

وذلك دون أن نعتمد في تحديد ما إن كان الشخص عصابي (مبتلى)

أم ذهاني مستبصر (مريض قلب) على

معايير علم النفس الغربي ومسلماته الفكرية،

وإنما ينبغي لنا أن يكون لنا معاييرنا ومقاييسنا

النابعة من فكر إسلامي قويم خالي من الفكر المادي أو الروحاني.




وصمة المرض النفسي

لقد أساء الطب النفسي في طريقة تصنيفه للأمراض النفسية بغير قصد

لشريحة كبيرة من المرضى النفسيين

وذلك بتعزيز مفهوم الوصمة التي تلتصق بالمرض النفسي

وتعميمها على كل المرضى النفسيين دون تفريق بين مريض وآخر.

فالطب النفسي يصنف المرضى النفسيين الى مجموعتين رئيسيتين

هما الذهان والعصاب..المرض العقلي والمرض النفسي ..

المرضى المستبصرين والمرضى الغير مستبصرين.

فالذهاني هو المصاب بالمرض العقلي وهو غير مستبصر

بينما العصابي هو المصاب بالمرض النفسي وهو مستبصر.

وليس هناك شك بأن الشريحة الكبرى من المرضى النفسيين

هي الفئة العصابية المستبصرة

بينما لاتشكل الفئة الذهانية الا نسبة ضئيلة في أي مجتمع من المجتمعات.

بل أن الفئة الذهانية القليلة من حيث النسبة هي الفئة الأقل

إدراكا لمفهوم الوصمة والأقل تألما منها على عكس الفئة العصابية

المستبصرة التي تدرك مفهوم الوصمة وتتألم نسبة كبيرة منها لهذا المفهوم.


هذا وقد طرأ بعض التقدم في توعية المجتمع بالأمراض النفسية

وأنها ليست كلها مدعاة للشعور بالوصمة،

كما أن تصنيف الأمراض النفسية الى مجموعتين رئيستين ،

ذهان وعصاب ،

قد أخذ يتضائل مقابل التصنيف الحديث للأمراض النفسية،

الا أنه لايزال هناك خلل يستوجب فصل الحالات المستحقة

للوصمة عن تلك الحالات الجديرة بالرعاية الطبية والتعاطف والدعم الإجتماعي.

لقد لفت انتباهي في احدى الأيام وعند مروري بجوار صالة

من صالات الانتظار بالعيادات الخارجية النفسية أن كان من ضمن الجالسين

شخص قد وضع الكثير من المكياج على وجهه

وكان من المصابين باضطراب الهوية الجنسية حيث كان يشعر بأنه انثى،

وشخص آخر تم إحضاره مقيدا وبخفارة الشرطة لكونه مصاب

باضطراب الشخصية السيكوباتية المضادة للمجتمع،

وكلتا الحالتان معروفتان لدينا بالمستشفى،

أما الحالة الثالثة فكانت حالة شخص يبدو أنه مصاب بالقلق أو الفوبيا

وكان يشعر بعدم ارتياح أثناء جلوسه وهو ينظر باتجاه

من يضع المكياج تارة والى الشخص المكبل تارة أخرى

ناهيك عن الحالات الأخرى الذهانية التي تصدر الصراخ أو يصدر

عنها سلوكيات وانفعالات مريبة.


إن ماأود قوله هنا الى أنه ماهو ذنب هذا المبتلى بالفوبيا أن يجلس

وسط أولئك المريضة أخلاقهم وأن ينظر له بأنه مثلهم

لقد حان الوقت لإعادة النظر في تصنيف المرض

النفسي والمرضى النفسيين بطريقة أخرى يتم على ضوئها

فرز الحالات وعدم خلطها بما يحمي مرضى الذهان ومرضى العصاب

من الخلط بينهم من جهة وبين الفئة الثالثة والتي يجوز أن نسميهم

بمرضى الأخلاق والذين لايحتاجون للرعاية الطبية بقدر حاجتهم

للإصلاحيات التي تقوم على تهذيبهم إن كان هناك مجال للتهذيب

هذا بالإضافة الى تطبيق العقوبات عليهم كلٌ فيما يناسب جرمه.



لقد أشار القرآن لهذه الفئة الثالثة بأنهم مرضى قلوب،

كما ورد في قوله تعالى((في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا))

والكثير من الآيات التي تتحدث عن المنافقين والكفار

والفاسقين من مخالفي الشرع ومخالفي الفطرة والسلوك القويم.

والقلب في القرآن هو كناية عن النفس،


وعليه فإن الإضطرابات السيكوباتية وما يصاحبها من عدوانية

وأذى على الغير واضطرابات الهوية الجنسية وما يصاحبها من شذوذ

وممارسة فواحش والشغف بالأطفال وإساءة

معاملة الأطفال والنساء والشذوذ الجنسي

بأنواعه والكثير من الإضطرابات التي يعتبر صاحبها مستبصر

ومسؤول عن تصرفاته لاينبغي وضعها تحت مضلة الأمراض النفسية

لأنها هي سبب الوصمة الأخلاقية المرتبطة بالمرض النفسي،

بالإضافة للوصمة اللاعقلانية المرتبطة بالذهان.

الا أن الذهان يعتبر مرض ومن الضروري التعاطف معه

وعدم الحاق الوصمة به رغم أنه يظل من الصعب العمل

بذلك مع الذهانيين لأسباب اجتماعية

وأسباب تتعلق بالأهلية الإجتماعية والعملية، رغم أنه ينبغي أن

ندافع عن الوصمة المرتبطة بالذهانيين


وعليه فإنه يظل من الضروري فرز

الحالات النفسية الى 3 مجموعات

بحيث إن كان لابد من بقاء الوصمة فإنه لاضير أن تبقى مرتبطة

بالمرض الأخلاقي كوصمة أخلاقية ولكن ليس لها ارتباط بالذهان

في صورته البسيطة والعصاب بأنواعه كالقلق والإكتآب البسيط

والإضطرابات الشخصية البسيطة

التي لايتأثر فيها الإستبصار ولا التوجه الأخلاقي السلوكي.


لقد ناديت سابقا في بداية المقال بتغيير مسمى "مريض نفسي"

الى مسمى "مبتلى" وذلك لفئة المرضى العصابيين الذين لديهم استبصار

ولديهم مسعى أخلاقي سليم،

والآن أنادي بفرز الحالات النفسية بحيث لايتم الخلط

بين من هو بحاجة للمساعدة الطبية وبين من يحتاج التدخل الإصلاحي

والذين هم أساس الوصمة في المرض النفسي.


وأي كان ماأنادي به فإن الهدف واحد وهما أمران:

الأول:

التقليل قدر الإمكان من الوصمة التي تلحق بالشريحة الكبرى

العصابية ذات المسعى الأخلاقي الحميد. وبالرغم من أنه يصعب

القضاء عليها تماما،إلا أن الأخلاق الإسلامية الأصلية تحتم أن لا نهزأ

ولا ننتقص ممن يعاني من القلق أو الخجل أو ضعف الشخصية

بقدر مانسعى لمد يد العون له والتغاضي عن زلاته

وتشجيعه وغير ذلك من السلوكيات الإيجابية تجاهه.

بل حتى الفئة الذهانية مع الوقت وتزايد الوعي والعودة للأخلاق

الإسلاميية الأصلية فإنه من الممكن تحجيم الوصمة

واستبدالها بمفهوم الرحمة لحال هذه الفئة،

كما أنه يصعب الخلط بينها وبين الشريحة العصابية

لوضوح مسألة الاستبصار وعدمه بينهما.


الثاني:

تقديم الخدمة العلاجية المناسبة لكل فئة بما يناسبها

بشكل واضح وكامل يضمن أن يأخذ كل ذي حق حقه

دونما إجحاف أو مبالغة أو خلط. فليس من العدل أن نخلط العصابي

المستبصر صاحب المسعى الأخلاقي القويم مع السيكوباتي

ومع الذهاني الغير مستبصر، وحالات في المستشفيات

في مكان الإنتظار وفي العيادات وفي الوقت المعطى للتقييم.



ولا يخفى علينا بأننا جزء من العالم في مايخص علوم الطب

ومنها الطب النفسي. ولن نتمكن من اختراع طب نفسي خاص بنا

ونستقل به عن العالم. الا أن هذا لايمنع أن نختلف مع العالم

في فرز المرضى المراجعين للعيادات الخارجية وفي أجنحة التنويم.

ولن نجد جهة طبية خارجية تلوم علينا التوجه الإصلاحي

لمرضى الفئة اللاأخلاقية، فما المانع إذن من العمل بذلك

إن كان مسمى الإبتلاء النفسي مستعصى على

الفهم لديهم ولا يمكن هضمه؟

آمل منكم وضع الآراء والمقترحات حول هذا المقال


 
التعديل الأخير تم بواسطة د.رعد الغامدي ; 17-01-2011 الساعة 10:30 PM

رد مع اقتباس