المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 13-10-2011, 05:52 AM   #316
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 19

(أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب "19")
والمؤمن هو من يعلم أن القرآن الحامل للمنهج هو الذي أنزله سبحانه على رسوله؛ ولا يمكن مقارنته بالكافر وهو الموصوف هنا من الحق سبحانه:

{كمن هو أعمى "19"}
(سورة الرعد)


وجاء هنا بـ"علم" و"عمى"؛ لأن الآيات الدالة على القدرة من المرئيات. ويقول الحق سبحانه:

{إنما يتذكر أولوا الألباب "19" }
(سورة الرعد)


أي: أصحاب العقول القادرة على التدبر والتفكر والتمييز


 

قديم 13-10-2011, 05:52 AM   #317
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 20

(الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق "20")
والواحد من أولي الألباب ساعة آمن بالله؛ فهو يعلم أنه قد تعاهد مع الله عهداً بألا يعبد غيره؛ وألا يخضع لغيره؛ وألا يتقرب لغيره؛ وألا ينظر أو ينتظر من غيره؛ وهذا هو العهد الأول الإيماني.
ويتفرع من هذا العهد العقدي الأول كل عهد يقطع سواء بالنسبة لله، أو بالنسبة لخلق الله؛ لأن الناشئ من عهد الله مثله مثل عهد الله؛ فإذا كنت قد آمنت بالله؛ فأنت تؤمن بالمنهج الذي أنزله على رسوله؛ وإذا أوفيت بالمنهج؛ تكون قد أوفيت بالعهد الأول. ولذلك نجد كل التكليفات المهمة البارزة القوية في حياة المؤمنين نجد الحق سبحانه يأتي بها في صيغة البناء؛ فما يسمى "البناء للمجهول"؛ مثل قوله:

{كتب عليكم الصيام .. "183"}
(سورة البقرة)


وقوله:

{كتب عليكم القصاص في القتلى .. "178"}
(سورة البقرة)


وقوله:

{كتب عليكم القتال وهو كره لكم .. "216"}
(سورة البقرة)


وكل التكليفات تأتي مسبوقة بكلمة "كتب" والذي كتب هو الله؛ وسبحانه لم يكلف إلا من آمن به؛ فساعة إعلان إيمانك بالله؛ هي ساعة تعاقدك مع الله على أن تنفذ ما يكلفك به. وأنت حر في أن تؤمن أو لا تؤمن؛ لكنك لحظة إيمانك بالله تدخل إلى الالتزام بما يكلفك به، وتكون قد دخلت في كتابة التعاقد الإيماني بينك وبين الله.
ولذلك قال الحق سبحانه "كتب" ولم يقل: "كتبت"؛ لأن العهد بينك وبين الله يقتضي أن تدخل أنت شريكاً فيه، وهو سبحانه لم يكلف إلا من آمن به. وسبحانه هنا يقول:

{الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق "20"}
(سورة الرعد)


أي: أن العهد الإيماني موثق بما أخذته على نفسك من التزام.


 

قديم 13-10-2011, 05:52 AM   #318
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 21

(والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب"21")
وأول ما أمر به الله أن يوصل هو صلة الرحم؛ أي: أن تصل ما يربطك بهم نسب. والمؤمن الحق إذا سلسل الأنساب؛ فسيدخل كل المؤمنين في صلة الرحم؛ لأن كل المؤمنين رحم متداخل؛ فإذا كان لك عشرة من المؤمنين تصلهم بحكم الرحم؛ وكل مؤمن يصل عشرة مثلك، انظر إلى تداخل الدوائر وانتظامها؛ ستجد أن كل المؤمنين يدخلون فيها.
ولذلك نجد الحق سبحانه يقول في الحديث القدسي:
"أنا الرحمن؛ خلقت الرحم، واشتققت لها اسماً من اسمي؛ فمن وصلها وصلته؛ ومن قطعها قطعته".
وقد رويت من قبل قصة عن معاوية رضي الله عنه؛ فقد جاء حاجبه ليعلن له أن رجلاً بالباب يقول: إنه أخوك يا أمير المؤمنين.
ولابد أن حاجب معاوية كان يعلم أن معاوية بن أبي سفيان لا إخوة له، لكنه لم يشأ أن يتدخل فيما يقوله الرجل؛ وقال معاوية لحاجبه: ألا تعرف إخوتي؟ فقال الحاجب: هكذا يقول الرجل. فأذن معاوية للرجل بالدخول؛ وسأله: أي إخوتي أنت؟ أجاب الرجل: أخوك في آدم. قال معاوية: رحم مقطوعة؛ والله لأكون أول من يصلها.
والتقى الفضيل بن عياض بجماعة لهم عنده حاجة؛ وقال لهم: من أين أنتم؟ قالوا: من خراسان. قال: اتقوا الله، وكونوا من حيث شئتم.
وقد أمرنا سبحانه أن نصل الأهل أولاً؛ ثم الأقارب؛ ثم الدوائر الأبعد فالأبعد؛ ثم الجار، وكل ذلك لأنه سبحانه يريد الالتحام بين الخلق؛ ليستطرق النافع لغير النافع، والقادر لغير القادر، فهناك جارك وقريبك الفقير إن وصلته وصلك الله. ولذلك يأمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ومن خلاله يأمر كل مؤمن برسالته:

{قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى .. "23"}
(سورة الشورى)


وقال بعض من سمعوا هذه الآية: قرباك أنت في قرباك. وقال البعض الآخر: لا، القربى تكون في الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن قال في محمد صلى الله عليه وسلم:

{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "6"}
(سورة الأحزاب)


وهكذا تكون قرابة الرسول أولى لكل مؤمن من قرابته الخاصة. يستمر قول الحق سبحانه في وصف أولي الألباب:

{ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب "21"}
(سورة الرعد)


والخشية تكون من الذي يمكن أن يصيب بمكروه؛ ولذلك جعل الحق هنا الخشية منه سبحانه؛ أي: أنهم يخافون الله مالكهم وخالقهم ومربيهم؛ خوف إجلال وتعظيم. وجعل سبحانه المخاف من سوء العذاب؛ وأنت تقول: خفت زيداً، وتقول: خفت المرض، ففيه شيء تخافه؛ وشيء يوقع عليك ما تخافه.
وأولو الألباب يخافون سوء حساب الحق سبحانه لهم؛ فيدعهم هذا الخوف على أن يصلوا ما أمر به سبحانه أن يوصل، وأن يبتعدوا عن أي شيء يغضبه. ونحن نعلم أن سوء الحساب يكون بالمناقشة واستيفاء العبد لكل حقوقه؛ فسبحانه منزه عن ظلم أحد، ولكن من يناقش الحساب فهو من يلقي العذاب؛ ونعوذ بالله من ذلك، فلا أحد بقادر على أن يتحمل عذاب الحق له.


 

قديم 13-10-2011, 05:53 AM   #319
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 22

(والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار "22")
ونجد هذه الآية معطوفة على ما سبقها من صفات أولي الألباب الذين يتذكرون ويعرفون مواطن الحق بعقولهم اهتداءً بالدليل؛ الذين يوفون بالعهد الإيماني بمجرد إيمانهم بالله في كليات العقيدة الوحدانية، ومقتضيات التشريع الذي تأتي به تلك العقيدة.
ولذلك جعلها سبحانه صفقة أوضحها في قوله تعالى:

{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً .. "111"}
(سورة التوبة)


وهي صفقة إيجاب وقبول، والعهد إيجاب وقبول؛ وهو ميثاق مؤكد بالأدلة الفطرية أولاً، والأدلة العقلية ثانياً.
وهم في هذه الآية من صبروا ابتغاء وجه ربهم، والصبر هو تحمل متاعب تطرأ على النفس الإنسانية لتخريجها عن وقار استقامتها ونعيمها وسعادتها، وكل ما يخرج النفس الإنسانية عن صياغة الانسجام في النفس يحتاج صبراً.
والصبر يحتاج صابراً هو الإنسان المؤمن، ويحتاج مصبوراً عليه؛ والمصبور عليه في الأحداث قد يكون في ذات النفس؛ كأن يصبر الإنسان على مشقة التكليف الذي يقول "افعل" و"لا تفعل".
فالتكليف يأمرك بترك ما تحب، وأن تنفذ بعض ما يصعب عليك، وأن تمتثل بالابتعاد عما ينهاك عنه، وكل هذا يقتضي مجاهدة من النفس، والصبر الذاتي على مشاق التكليف. ولذلك يقول الحق سبحانه عن الصلاة مثلاً:

{إنما أنت منذر ولكل قومٍ هادٍ "45"}
(سورة البقرة)


وهذا صبر الذات على الذات. ولكن هناك صبر آخر؛ صبر منك على شيء يقع من غيرك؛ ويخرجك هذا الشيء عن استقامة نفسك وسعادتها. وهو ينقسم إلى قسمين: قسم تجد فيه غريماً لك؛ وقسم لا تجد فيه غريماً لك. فالمرض الذي يخرج الإنسان عن حيز الاستقامة الصحية ويسبب لك الألم؛ ليس لك فيه غريم؛ لكنك تجد الغريم حين يعتدي عليك إنسان بالضرب مثلاً؛ ويكون هذا الذي يعتدي عليك هو الغريم لك.
وكل صبر له طاقة إيمانية تحتمله؛ فالذي يقدر على شيء ليس فيه غريم؛ يكون صبره معقولاً بعض الشيء؛ لأنه لا يوجد له غريم يهيج مشاعره. أما صبر الإنسان على ألم أوقعه به من يراه أمامه؛ فهذا يحتاج إلى قوة ضبط كبيرة؛ كي لا يهيج الإنسان ويفكر في الانتقام. ولذلك تجد الحق يفصل بين الأمرين؛ يفصل بين شيء أصابك ولا تجد لك غريماً فيه، وشيء أصابك ولك من مثلك غريم فيه. ويقول سبحانه عن الصبر ليس لك غريم فيه.

{واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "17"}
(سورة لقمان)


ويقول عن الصبر الذي لك فيه غريم، ويحتاج إلى كظم الغيظ، وضبط الغضب:

{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور "43"}
(سورة الشورى)


وحينما يريد الحق سبحانه منك أن تصبر؛ فهو لا يطلب ذلك منك وحدك؛ ولكن يطلب من المقابلين لك جميعاً أن يصبروا على إيذائك لهم؛ فكأنه طلب منك أن تصبر على الإيذاء الواقع من الغير عليك؛ وأنت فرد واحد.
وطلب من الغير أيضاً أن يصبر على إيذائك، وهذا هو قمة التأمين الاجتماعي لحياة النفس الإنسانية، فإذا كان سبحانه قد طلب منك أن تصبر على من آذاك؛ فقد طلب من الناس جميعاً أن يصبروا على آذاك لهم.
فإذا بدرت منك بادرة من الأغيار؛ وتخطئ في حق إنسان آخر وتؤلمه؛ فإن لك رصيداً من صبر الآخرين عليك؛ لأن الحق سبحانه طلب من المقابل لك أن يصبر عليك وأن يعفو.
وإذا كان لك غريم؛ فالصبر يحتاج منك إلى ثلاث مراحل: أن تصبر صبراً أولياً بأن تكظم في نفسك؛ ولكن الغيظ يبقى، وإن منعت الحركة النزوعية من التعبير عن هذا الغيظ؛ فلم تضرب ولم تصب؛ ويسمى ذلك:

{الكاظمين الغيظ .. "134"}
(سورة آل عمران)


والكظم مأخوذ من عملية ربط القربة التي نحمل فيها الماء؛ فإن لم نحكم ربطها انسكب منها الماء؛ ويقال "كظم القربة" أي: أحكم ربطها.
ثم يأتي الحق سبحانه بالمرحلة الثانية بعد كظم الغيظ فيقول:

{والعافين عن الناس .. "134"}
(سورة آل عمران)


 

قديم 13-10-2011, 05:54 AM   #320
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 23

(جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب "23")
إذن: فالدار الآخرة التي تعقب الدنيا بالنسبة لأولي الألباب هي جنات عدن. و"العدن" هو الإقامة الدائمة؛ وجنات عدن هي جنات الإقامة الدائمة، لأن الدنيا ليست دار إقامة. وكل نعيم في الدنيا إما أن تفوته بالموت أو يفوتك بأغيار الحياة. أما جنات عدن فهي دار إقامة دائمة؛ بما أن "عدن" تعني مرافقة دائمة للجنات.
والجنات معناها كما نفهم هي البساتين التي فيها أشجار وفيها ثمار؛ وكل ما تشتهي الأنفس، مع ملاحظة أن هذه الجنات ليست هي المساكن؛ بل في تلك الجنات مسكن بدليل قول الحق سبحانه:

{ومساكن طيبة في جنات عدنٍ .. "72"}
(سورة التوبة)


فالجنات هي الحدائق؛ وفيها مساكن، ونحن في حياتنا الدنيا نجد الفيلات في وسط الحدائق، فما بالنا بما يعد به الله من طيب المساكن وسط الجنات؟
لابد أن ينطبق عليه وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للجنة في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه:
"أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". وهكذا بين الله سبحانه عقبى الدار؛ فهي:

{جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .. "23"}
(سورة الرعد)


وآباء جمع "أب" أي: يدخلها مع أولي الألباب من كان صالحاً من الآباء متبعاً لمنهج الله. وإن سأل سائل: وأين الأمهات؟
أقول: نحن ساعة نثني المتماثلين نغلب الذكر دائماً، ولذلك فآباؤهم تعني الأب والأم، ألم يقل الحق سبحانه في سورة يوسف:

{ورفع أبويه على العرش .. "100"}
(سورة يوسف)


وهؤلاء هم الذين يدخلون الجنة من أولي الألباب الذين استوفوا الشروط التسعة التي تحدثنا عنها؛ فهل استوفى الآباء والأزواج والأبناء الشروط التسعة؟
ونقول: إن الحق سبحانه وتعالى يعامل خلقه في الدنيا بمقتضى العواطف الموجودة في الذرية؛ فالواحد منا يحب أولاده وأزواجه وآباءه؛ ومادام يحبهم وقد صلحوا كل حسب طاقته؛ فالحق سبحانه يلحقهم به. ولذلك تأتي آية أخرى يقول فيها الحق سبحانه:

{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئٍ بما كسب رهين "21"}
(سورة الطور)


وهنا يمسك القرآن القضية العقلية في الإلحاق بمعنى أن تلحق ناقصاً بكامل، فلو كان مساوياً له في العمل ما سمى إلحاقاً، فكل إنسان يأخذ حقه؛ وقد اشترط الحق سبحانه شرطاً واحداً في إلحاق الذرية بالآباء، أو إلحاق الآباء بالذرية في الجنة، وهو الإيمان فقط.
وأوضح لنا هنا أن الآباء قد تميزوا بعمل إيماني بدليل قوله تعالى:

{وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ .. "21"}
(سورة الطور)


فلم يأخذ سبحانه عمل الأب الذي عمل؛ الابن الذي لم يعمل، ومزج الاثنين، ليأخذ المتوسط، لا، وذلك كي لا يظلم من عمل من الآباء أو الأبناء.
ثم إن ذلك لو حدث؛ لما اعتبر تواجد الآباء مع الأبناء في الجنة إلحاقاً؛ لأن الإلحاق يقتضي أن يبقى حق كل من عمل؛ ثم يتكرم سبحانه من بعد ذلك بعملية الإلحاق؛ بشرط واحد هو أن يكون الشخص الملحق مؤمناً. وهكذا نفهم قول الحق سبحانه:

{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان .. "21"}
(سورة الطور)


 

قديم 13-10-2011, 05:54 AM   #321
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 24

(سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار "24")
والسلام يعني الاطمئنان والرضا الذي لا تأتي بعده الأغيار؛ لأن السلام في الدنيا قد تعكر أمنه أغيار الحياة؛ فأنتم أيها المؤمنون الذين دخلتم الجنة بريئون من الأغيار.

<وقال صلى الله عليه وسلم عن لحظات ما بعد الحساب: "الجنة أبداً، أو النار أبداً">

ولذلك يقول سبحانه عن خيرات الجنة:

{لا مقطوعة ولا ممنوعةٍ "33"}
(سورة الواقعة)


والملائكة كما نعلم نوعان:
الملائكة المهيمون الذين يشغلهم ذكر الله تعالى عن أي شيء ولا يدرون بنا؛ ولا يعلمون قصة الخلق؛ وليس لهم شأن بكل ما يجري؛ فليس في بالهم إلا الله وهم الملائكة العالون؛ الذين جاء ذكرهم في قصة السجود لآدم حين سأل الحق سبحانه الشيطان:

{استكبرت أم كنت من العالين "75"}
(سورة ص)


أي: أن العالين هنا هم من لم يشملهم أمر السجود، وليس لهم علاقة بالخلق، وكل مهمتهم ذكر الله فقط.
أما النوع الثاني فهم الملائكة المدبرات أمراً، ونعلم أن الحق سبحانه وتعالى قد استدعى آدم إلى الوجود هو وذريته، وأعد له كل شيء في الوجود قبل أن يجئ؛ الأرض مخلوقة والسماء مرفوعة؛ والجبال الرواسي بما فيها من قوتٍ؛ والشمس والقمر والنجوم والمياه والسحاب. والملائكة المدبرات هم من لهم علاقة بالإنسان الخليفة، وهم من قال لهم الحق سبحانه:

{اسجدوا لآدم .. "34"}
(سورة البقرة)


وهم الذين يتولون أمر الإنسان تنفيذاً لأوامر الحق سبحانه لهم، ومنهم الحفظة الذين قال فيهم الحق سبحانه:

{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظون من أمر الله .. "11"}
(سورة الرعد)


أي: أن الأمر صادر من الله سبحانه، وهم بعد أن يفرغوا من مهمتهم كحفظة من رقيب وعتيد على كل إنسان، ولن يوجد ما يكتبونه من بعد الحساب وتقرير الجزاء؛ وهنا سيدخل هؤلاء الملائكة على أهل الجنة ليحملوا ألطاف الله والهدايا؛ فهم منوط بهم الإنسان الخليفة.
وسبحانه حين يورد كلمة في القرآن بموقعها البياني الإعرابي؛ فهي تؤدي المعنى الذي أراده سبحانه. والمثل هو كلمة "سلام"؛ فضيف إبراهيم من الملائكة:

{قالوا سلاماً قال سلام .. "69"}
(سورة هود)


وكان القياس يقتضي أن يقول هو "سلاماً"، ولكنها قضية إيمانية، لذلك قال:

{سلام .. "69"}
(سورة هود)


فالسلام هنا يأت منصوباً؛ بل جاء مرفوعاً؛ لأن السلام للملائكة أمر ثابت لهم؛ وبذلك حياهم إبراهيم بتحية هي احسن من التحية التي حيوه بها. فنح نسلم سلاماً؛ وهو يعني أن نتمنى حدوث الفعل، ولكن إبراهيم عليه السلام فطن إلى أن السلام أمر ثابت لهم.
وهكذا الحال هنا حين تدخل الملائكة على العباد المكرمين بدخول الجنة، فهم يقولون:

{سلام .. "24"}
(سورة الرعد)


وهي مرفوعة إعرابياً؛ لأن السلام أمر ثابت مستقر في الجنة، وهم قالوا ذلك؛ لأنهم يعلمون أن السلام أمر ثابت هناك؛ لا يتغير بتغير الأغيار؛ كما في أمر الدنيا.
والسلام في الجنة لهؤلاء بسبب صبرهم، كما قال الحق سبحانه على ألسنة الملائكة:

{سلام عليكم بما صبرتم .. "24"}
(سورة الرعد)


وجاء الصبر في صيغة الماضي، وهي صيغة صادقة؛ فهم قد صبروا في الدنيا؛ وانتهى زمن الصبر بانتهاء التكليف.
وهم هنا في دار جزاء؛ ولذلك يأتي التعبير بالماضي في موقعه؛ لأنهم قد صبروا في دار التكليف على مشقات التكليف؛ صبروا على الإيذاء؛ وعلى الأقدار التي أجراها الحق سبحانه عليهم. وهكذا يكون قول الحق سبحانه:

{سلام عليكم بما صبرتم .. "24"}
(سورة الرعد)


 

قديم 13-10-2011, 05:54 AM   #322
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 25

(والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار "25")
ولقائل أن يسأل: وهل آمن هؤلاء وكان بينهم وبين الله عهد ونقضوه؟ ونقول: يصح أنهم قد آمنوا ثم كفروا، أو: أن الكلام هنا ينصرف إلى عهد الله الأزلي.
يقول سبحانه:

{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى .. "172"}
(سورة الأعراف)


وهنا يوضح سبحانه أن من ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وتأكيده بالآيات الكونية التي تدل على وجود الخالق الواحد:

{يقطعون ما أمر الله به أن يوصل .. "25"}
(سورة الرعد)


والمقابل لهم هم أولو الألباب الذين كانوا يصلون ما أمر سبحانه أن يوصل ـ وهؤلاء الكفرة نقضة العهد:

{ويفسدون في الأرض .. "25"}
(سورة الرعد)


ولم يأت الحق سبحانه بالمقابل لكل عمل أداه أولو الألباب؛ فلم يقل: "ولا يخشون ربهم"؛ لأنهم لا يؤمنون بإله؛ ولم يقل: "لا يخافون سوء الحساب" لأنهم لا يؤمنون بالبعث. وهكذا يتضح لنا أن كل شيء في القرآن جاء بقدرٍ، وفي تمام موقعه.
ونحن نعلم أن الإفساد في الأرض هو إخراج الصالح عن صلاحه، فأنت قد أقبلت على الكون، وهو معد لاستقبالك بكل مقومات الحياة من مأكل ومشرب وتنفس؛ وغير ذلك من الرزق، واستبقاء النوع بأن أحل لنا سبحانه أن نتزاوج ذكراً وأنثى.
والفساد في الكون أن تأتي إلى صالح في ذاته فتفسده؛ ونقول دائماً: إن كنت لا تعرف كيف تزيد الصالح صلاحاً؛ فاتركه على حاله؛ واسمع قول الحق سبحانه:

{ولا تقف ما ليس لك به علم .. "36"}
(سورة الإسراء)


فلا تنظر في أي أمر إلى الخير العاجل منه؛ بل انظر إلى ما يؤول إليه الأمر من بعد ذلك؛ أيضر أم ينفع؟
لأن الضر الآجل قد يتلصص ويتسلل ببطء وأناة؛ فلا تستطيع له دفعاً من بعد ذلك. ويقول الحق سبحانه في آخر الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار "25"}
(سورة الرعد)


ونلحظ أن التعبير هنا جاء باللام مما يدل على أن اللعنة عشقتهم عشق المال للملوك:

{ولهم سوء الدار "25"}
(سورة الرعد)


أي: عذابها، وهي النار والعياذ بالله.


 

قديم 13-10-2011, 05:55 AM   #323
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 26

(الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع"26")
والبسط هو مد الشيء. وقد أقام العلماء معركة عند تحديد ما هو الرزق، فهل الرزق هو ما أحله الله فقط؟ أم أن الرزق هو كل ما ينتفع به الإنسان سواء أكان حلالاً أم حراماً؟
فمن العلماء من قال: إن الرزق هو الحلال فقط؛ ومنهم من قال: إن الرزق هو كل ما ينتفع به سواء أكان حلالاً أم حراماً؛ لأنك إن قلت إن الرزق محصور في الحلال فقط؛ إذن: فمن كفر بالله من أين يأكل؟
أم يخاطب الحق سبحانه المكابرين قائلاً:

{قل من يرزقكم من السماء والأرض .. "31"}
(سورة يونس)


وقال سبحانه:

{إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "58"}
(سورة الذاريات)


ويقول تعالى:

{وفي السماء رزقكم وما توعدون "22" فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون "23"}
(سورة الذاريات)


إذن: فالرزق هو من الله؛ ومن بعد ذلك يأمر "افعل كذا" و"لا تفعل كذا". وقول الحق سبحانه:

{الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .. "26"}
(سورة الرعد)


أي: أنه سبحانه يمد الرزق لمن يشاء:

{ويقدر .. "26"}
(سورة الرعد)


من القدر. أي: في حالة إقداره على المقدر عليه؛ وهو من يعطيه سبحانه على قدر احتياجه؛ لأن القدر هو قطع شيء على مساحة شيء، كأن يعطي الفقير ويبسط له الرزق على قدر احتياجه.
والحق سبحانه أمرنا أن نعطي الزكاة للفقير؛ ويظل الفقير عائشاً على فقره؛ لأنه يعيش على الكفاف.
أو: يقدر بمعنى يضيق؛ وساعة يحدث ذلك إياك أن تظن أن التضييق على الفقير ليس لصالحه، فقد يكون رزقه بالمال الوفير دافعاً للمعصية؛ ومن العفة ألا يجد.
أو: يقدر بمعنى يضيق على إطلاقها، يقول سبحانه:

{لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا "7"}
(سورة الطلاق)


ولأن الله قد آتاه فهذا يعني أنه بسط له بقدره. ويتابع سبحانه:

{وفرحوا بالحياة الدنيا .. "26"}
(سورة الرعد)


وطبعاً سيفرح بها من كان رزقه واسعاً؛ والمؤمن هو من ينظر إلى الرزق ويقول: هو زينة الحياة الدنيا؛ ولكن ما عند الله خير وأبقى. أما أهل الكفر فقد قالوا:

{لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيمٍ "31"}
(سورة الزخرف)


ويرد الحق سبحانه عليهم:


{أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات .. "32"}
(سورة الزخرف)


 

قديم 13-10-2011, 05:55 AM   #324
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 27

(ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب"27")
ونعلم أن "لولا" إذا دخلت على جملة اسمية فلها وضع يختلف عنه وضعها إذا دخلت على جملة فعلية، فحين نقول: "لولا زيد عندك لزرتك" يعني امتناع حدوث شيء لوجود شيء آخر. وحين نقول: لولا تذاكر دروسك. فهذا يعني حضاً على الفعل. والحق سبحانه يقول:

{لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون "13"}
(سورة النور)


والجملة التي دخلت عليها "لولا" في هذه الآية هي جملة فعلية، وكأن الحق سبحانه يحضنا هنا على أن نلتفت إلى الآية الكبرى التي نزلت عليه صلى الله عليه وسلم، وهي القرآن.
وقد تساءل الكافرون ـ كذباً ـ عن مجيء آية؛ وكان تساؤلهم بعد مجيء القرآن، وهذا كذب واقع؛ يناقضون به أنفسهم؛ فقد قالوا:

{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيمٍ "31"}
(سورة الزخرف)


وهم بذلك قد اعترفوا أن القرآن بلغ حد الإعجاز وتمنوا لو أنه نزل على واحد من عظماء القريتين ـ مكة أو الطائف. وهم من قالوا أيضاً:

{وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون "6"}
(سورة الحجر)


ثم يعودون هنا لينكروا الاعتراف بالقرآن كمعجزة، على الرغم من أنه قد جاء من جنس ما نبغوا فيه، فهم يتذوقون الأدب، ويتذوقون البيان، ويتذوقون الفصاحة؛ ويقيمون الأسواق ليعرضوا إنتاجهم في البلاغة والقصائد، فهم أمة تطرب فيها الأذن لما ينطقه اللسان.
ولكنهم هنا يطلبون آية كونية كالتي نزلت على الرسل السابقين عليهم السلام، ونسوا أن الآية الكونية عمرها مقصور على وقت حدوثها؛ ومن رآها هو من يصدقها، أو يصدقها من يخبره بها مصدر موثوق به.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبعوث لتنظيم حركة الحياة في دنيا الناس إلى أن تقوم الساعة؛ ولو أنه قد جاء بآية كونية؛ لأخذت زمانها فقط.
ولذلك شاء الحق سبحانه أن يأتي بآية معجزة باقية إلى أن تقوم الساعة، فضلاً عن أنه صلى الله عليه وسلم قد جاءت له معجزات حسية؛ كتفجر الماء من بين أصابعه؛ وحفنة الطعام التي أشبعت جيشاً؛ وأظلته السحابة؛ وحن جذع الشجرة حنيناً إليه ليقف من فوقه خطيباً وجاءه الضب مسلماً.
كل تلك آيات كونية هي حجة على من رآها، وكذلك معجزات الرسل السابقين، ولولا أن رواها لنا القرآن لما آمنا بها، وكانت الآيات الكونية التي جاءت مع الرسل هي مجرد إثبات لمن عاشوا في أزمان الرسل السابقين على أن هؤلاء الرسل مبلغون عن الله.
وقد شرح الحق سبحانه هذا الأمر بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:

{وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون "59"}
(سورة الإسراء)


أي: أن الرسل السابقين الذين نزلوا في أقوامهم وصحبتهم الآيات الكونية قابلوا أيضاً المكذبين بتلك الآيات، وقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أيضاً:

{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90" أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا "91" أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً "92"}
(سورة الإسراء)


ويقول الحق سبحانه في موقع آخر:

{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون "111"}
(سورة الأنعام)


وهكذا يبين لنا الحق سبحانه أنهم غارقون في العناد ولن يؤمنوا، وأن أقوالهم تلك هي مجرد حجج يتلكئون بها. وهم هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقولون:

{لولا أنزل عليه آية من ربه .. "27"}
(سورة الرعد)


وهكذا نجد أنهم يعترفون أن له رباً؛ على الرغم من أنهم قد اتهموه من قبل أنه ساحر، وأنه ـ والعياذ بالله ـ كاذب، وحين فتر عنه الوحي قالوا: "إن رب محمد قد قلاه". وأنزل الحق سبحانه الوحي:

{والضحى "1" والليل إذا سجى "2" ما ودعك ربك وما قلى "3" وللآخرة خير لك من الأولى "4" ولسوف يعطيك ربك فترضى "5"}
(سورة الضحى)


 

قديم 13-10-2011, 05:55 AM   #325
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 28

(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب "28")
ومعنى الاطمئنان سكون القلب واستقراره وأنسه إلى عقيدة لا تطفو إلى العقل ليناقشها من جديد.
ونعلم أن الإنسان له حواس إدراكية يستقبل بها المحسات؛ وله عقل يأخذ هذه الأشياء ويهضمها؛ بعد إدراكها؛ ويفحصها جيداً، ويتلمس مدى صدقها أو كذبها؛ ويستخرج من كل ذلك قضية واضحة يبقيها في قلبه لتصبح عقيدة، لأنها وصلت إلى مرحلة الوجدان المحب لاختيار المحبوب.
وهكذا تمر العقيدة بعدة مراحل؛ فهي أولاً إدراك حسي؛ ثم مرحلة التفكر العقلي؛ ثم مرحلة الاستجلاء للحقيقة؛ ثم الاستقرار في القلب لتصبح عقيدة. ولذلك يقول سبحانه:

{وتطمئن قلوبهم .. "28"}
(سورة الرعد)


فاطمئنان القلب هو النتيجة للإيمان بالعقيدة؛ وقد يمر القلب بعض من الأغيار التي تزلزل الإيمان، ونقول لمن تمر به تلك الهواجس من الأغيار: أنت لم تعط الربوبية حقها؛ لأنك أنت الملوم في أي شيء ينالك.
فلو أحسنت استقبال القدر فيما يمر بك من أحداث، لعلمت تقصيرك فيما لك فيه دخل بأي حادث وقع عليك نتيجة لعملك، أما ما وقع عليك ولا دخل لك فيه؛ فهذا من أمر القدر الذي أراده الحق لك لحكمة قد لا تعلمها، وهي خير لك.
إذن: استقبال القدر إن كان من خارج النفس فهو لك، وإن كان من داخل النفس فهو عليك.
ولو قمت بإحصاء ما ينفعك من وقوع القدر عليك لوجدته أكثر بكثير مما سلبه منك. والمثل هو الشاب الذي استذكر دروسه واستعد للامتحان؛ لكن مرضاً داهمه قبل الامتحان ومنعه من أدائه.
هذا الشاب فعل ما عليه؛ وشاء الله أن ينزل عليه هذا القدر لحكمة ما؛ كأن يمنع عنه حسد جيرانه؛ أو حسد من يكرهون أمه أو أباه، أو يحميه من الغرور والفتنة في أنه معتمد على الأسباب لا على المسبب. أو تأخير مرادك أمام مطلوب الله يكون خيراً.
وهكذا فعلي الإنسان المؤمن أن يكون موصولاً بالمسبب الأعلى، وأن يتوكل عليه سبحانه وحده، وأن يعلم أن التوكل على الله يعني أن تعمل الجوارح، وان تتوكل القلوب؛ لأن التوكل عمل قلبي، وليس عمل القوالب. ولينتبه كل منا إلى أن الله قد يغيب الأسباب كي لا نغتر بها، وبذلك يعتدل إيمانك به؛ ويعتدل إيمان غيرك.
وقد ترى شاباً ذكياً قادراً على الاستيعاب، ولكنه لا ينال المجموع المناسب للكلية التي كان يرغبها؛ فيسجد لله شكراً؛ متقبلاً قضاء الله وقدره؛ فيوفقه الله إلى كلية أخرى وينبغ فيها؛ ليكون أحد البارزين في المجال الجديد. ولهذا يقول الحق سبحانه:

{وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "216"}
(سورة البقرة)


وهكذا نجد أن من يقبل قدر الله فيه، ويذكر أن له رباً فوق كل الأسباب؛ فالاطمئنان يغمر قلبه أمام أي حدث مهما كان. وهكذا يطمئن القلب بذكر الله؛ وتهون كل الأسباب؛ لأن الأسباب إن عجزت؛ فلن يعجز المسبب.
وقد جاء الحق سبحانه بهذه الآية في معرض حديثه عن التشكيك الذي يثيره الكافرون، وحين يسمع المسلمون هذا التشكيك؛ فقد توجد بعض الخواطر والتساؤلات: لماذا لم يأت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعجزة حسية مثل الرسل السابقين لتنفض هذه المشكلة، وينتهي هذا العناد؟ ولكن تلك الخواطر لا تنزع من المؤمنين إيمانهم؛ ولذلك ينزل الحق سبحانه قوله الذي يطمئن:

{الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله .. "28"}
(سورة الرعد)


والذكر في اللغة جاء لمعانٍ شتى؛ فمرة يطلق الذكر، ويراد به الكتاب أي: القرآن:

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"}
(سورة الحجر)


ويأتي الذكر مرة، ويراد به الصيت والشهرة والنباهة، يقول تعالى:

{وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون "44"}
(سورة الزخرف)


أي: أنه شرف عظيم لك في التاريخ، وكذلك لقومك أن تأتي المعجزة القرآنية من جنس لغتهم التي يتكلمون بها. وقد يطلق الذكر على الاعتبار؛ والحق سبحانه يقول:

{ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوماً بوراً "18"}
(سورة الفرقان)


أي: نسوا العبر التي وقعت للأمم التي عاشت من قبلهم؛ فنصر الله الدين رغم عناد هؤلاء. وقد يطلق الذكر على كل ما يبعثه الحق سبحانه على لسان أي رسول:

{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "43"}
(سورة النحل)


وقد يطلق الذكر على العطاء الخير من الله. ويطلق الذكر على تذكر الله دائماً؛ وهو سبحانه القائل:

{فاذكروني أذكركم .. "152"}
(سورة البقرة)


أي: اذكروني بالطاعة أذكركم بالخير والتجليات، فإذا كان الذكر بهذه المعاني؛ فنحن نجد الاطمئنان في أي منها، فالذكر بمعنى القرآن يورث الاطمئنان. ويقول الحق سبحانه:

{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا "41" وسبحوه بكرة وأصيلا "42" هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً "43"}
(سورة الأحزاب)


فكل آية تأتي من القرآن كانت تطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صادق البلاغ عن الله؛ فقد كان المسلمون قلة مضطهدة، ولا يقدرون على حماية أنفسهم، ولا على حماية ذويهم. ويقول الحق سبحانه في هذا الظرف:

{سيهزم الجمع ويولون الدبر "45"}
(سورة القمر)


 

قديم 13-10-2011, 05:56 AM   #326
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 29

(الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب "29")
وطوبى من الشيء الطيب؛ أي: سيلاقون شيئاً طيباً في كل مظاهره: شكلاً ولوناً وطعماً ومزاجاً وشهوة، فكل ما يشتهيه الواحد منهم سيجده طيباً؛ وكأن الأمر الطيب موجوداً لهم. وقول الحق سبحانه:

{وحسن مآب "29"}
(سورة الرعد)


أي: حسن مرجعهم إلى من خلقهم أولاً، وأعاشهم بالأسباب؛ ثم أخذهم ليعيشوا بالمسبب الأعلى؛ وبإمكانية "كن فيكون". ويريد الحق سبحانه من بعد ذلك أن يوضح لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه رسول من الرسل؛ وكان كل رسول إلى أي أمة يصحب معه معجزة من صنف ما نبغ فيه قومه.
وقد أرسل الحق سبحانه محمداً صلى الله عليه وسلم ومعه المعجزة التي تناسب قومه؛ فهم قد نبغوا في البلاغة والبيان وصناعة الكلام، وقول القصائد الطويلة وأشهرها المعلقات السبع؛ ولهم أسواق أدبية مثل: سوق عكاظ، وسوق ذي المجاز. ولذلك جاءت معجزته صلى الله عليه وسلم من جنس ما نبغوا فيه؛ كي تأتيهم الحجة والتعجيز. ولو كانت المعجزة في مجال لم ينبغوا فيه؛ لقالوا: "لم نعالج أمراً مثل هذا من قبل؛ ولو كنا قد عالجناه لنبغنا فيه".
وهكذا يتضح لنا أن إرسال الرسول بمعجزة في مجال نبغ فيه قومه هو نوع من إثبات التحدي وإظهار تفوق المعجزة التي جاء بها الرسول. وهكذا نرى أن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن ـ وإن لم يقنع الكفار ـ إنما كان مطابقاً لمنطق الوحي من السماء للرسالات كلها.


 

قديم 13-10-2011, 05:56 AM   #327
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 30

(كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب "30")
فكما أرسلك الله إلى أمتك؛ فقد سبق أن أرسل سبحانه رسلاً إلى الأمم التي سبقت؛ ولم يرسل مع أي منهم معجزة تناقض ما نبغ فيه قومه؛ كي لا يقول واحد أن المعجزة التي جاءت مع الرسول تتناول ضرباً لم يألفوه؛ ولو كانوا قد ألفوه لما تفوق عليهم الرسول.
وقول الحق:
{كذلك}
(سورة الرعد)


يعني: كهذا الإرسال السابق للرسل جاء بعثك إلى أمتك، كتلك الأمم السابقة. ويأتي الحق سبحانه هنا بالاسم الذي كان يجب أن يقدروه حق قدره وهو "الرحمن" فلم يقل: وهم يكفرون بالله بل قال:

{وهم يكفرون بالرحمن .. "30"}
(سورة الرعد)


فهم يعيشون ـ رغم كفرهم ـ في رزق من الله الرحمان، وكل ما حولهم وما يقيتهم وما يستمتعون به من نعم عطاءات من الله.
وهم لا يقومون بأداء أي من تكاليف الله؛ فكان من اللياقة أن يذكروا فضل الله عليهم؛ وأن يؤمنوا به؛ لأن مطلوب الألوهية هو القيام بالعبادة.
وهو سبحانه هنا يأتي باسمه "الرحمن"؛ والذي يفيد التطوع بالخير؛ وكان من الواجب أن يقدروا هذا الخير الذي قدمه لهم سبحانه، دون أن يكون لهم حول أو قوة. وكان يجب أن يعتبروا ويعلنوا أنهم يتجهون إليه سبحانه بالعبادة؛ وأن ينفذوا التكليف العبادي.
وفي صلح الحديبية دارت المفاوضات بين المسلمين وكفار قريش الذين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخول مكة، ولكنهم قبلوا التعاهد معه، فكان ذلك اعترافاً منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الذين صاروا قوة تعاهد؛ تأخذ وتعطي.
ولذلك نجد سيدنا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ يقول: "ما كان في الإسلام نصر أعظم من نصر الحديبية".
فقد بدأت قريش في الحديبية الاعتراف برسول الله وأمة الإسلام؛ وأخذوا هدنة طويلة تمكن خلالها محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته من أن يغزوا القبائل التي تعيش حول قريش؛ حيث كانت تذهب سرية ومعها مبشر بدين الله؛ فتسلم القبائل قبيلة من بعد قبيلة.
وهكذا كانت الحديبية هي أعظم نصر في الإسلام؛ فقد سكنت قريش؛ وتفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه لدعوة القبائل المحيطة بها للإسلام. ولكن الناس لم يتسع ظنهم لما بين محمد وربه. والعباد دائماً يعجلون، والله لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد.
وحين جاءت لحظة التعاقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش في الحديبية، وبدأ علي بن أبي طالب في كتابة صيغة المعاهدة، كتب "هذا ما صالح عليه محمد رسول الله" فاعترض سهيل بن عمرو وقال: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب: "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو".
وأصر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تكتب صفة محمد كرسول، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني. اكتب محمد بن عبد الله". ولكن علياً ـ كرم الله وجهه ـ يصر على أن يكتب صفة محمد كرسول من الله؛ فينطق الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ليقول لعلي: "ستسام مثلها فتقبل".
ولما تولى علي ـ كرم الله وجهه ـ بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وقامت المعركة بين علي ومعاوية؛ ثم اتفق الطرفان على عقدة معاهدة؛ وكتب الكاتب "هذا ما قاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" فقال عمرو بن العاص مندوب معاوية: "اكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم وليس أميرنا".
وهنا تذكر علي ـ كرم الله وجهه ـ

<ما قاله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستسام مثلها فتقبل" وقبلها فقال: "امح أمير المؤمنين، واكتب هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب">

وتحققت مقولة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن الوقائع التي تثبت الإيمان؛ نجد قصة عمار بن ياسر، وكان ضمن صفوف علي ـ كرم الله وجهه وأرضاه ـ في المواجهة مع معاوية؛ وقتله جنود معاوية؛ فصرخ المسلمون وقالوا: "ويح عمار، تقتله الفئة الباغية". وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال.
وبذلك فهم المسلمون أن الفئة الباغية هي فئة معاوية، وانتقل كثير من المسلمين الذين كانوا في صف معاوية إلى صف علي بن أبي طالب؛ فذهب عمرو بن العاص إلى معاوية وقال: تفشت في الجيش فاشية، إن استمرت لن يبقى معنا أحد؛ فقد قتلنا عمار بن ياسر؛ وذكر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "ويح عمار، تقتله الفئة الباغية"، وقد فهم المقاتلون معنا أن الفئة الباغية هي فئتنا.


 

قديم 13-10-2011, 05:56 AM   #328
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 31

(ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد"31")
و (لو) حرف شرط يلزم لها جواب شرط، وقد ترك الحق سبحانه جواب الشرط هنا اعتماداً على يقظة المستمع. وإن كان مثل هذا القول ناقصاً حين ننطق نحن به، فهو ليس كذلك حين يأتي من قول الله سبحانه؛ فهو كامل فيمن تكلم، وقد تركها ليقظة المستمع للقرآن الذي يبتدر المعاني، ويتذكر مع هذه الآية قوله الحق:

{لو أنزلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين"7"}
(سورة الأنعام)


وكذلك قول الحق سبحانه:

{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيءٍ قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون "111"}
(سورة الأنعام)


إذن: من كل نظائر تلك الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نأخذ جواب الشرط المناسب لها من تلك الآيات؛ فيكون المعنى: لو أن قرآناً سيرت به الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى لما آمنوا.
ويروي أن بعضاً من مشركي قريش مثل: أبي جهل وعبد الله ابن أبي أمية جلسا خلف الكعبة وأرسلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقال له عبد الله: إن سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن، فأذهبها عنا حتى تنفسح، فإنها أرض ضيقة، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً، حتى نغرس ونزرع، فلست ـ كما زعمت ـ بأهون على ربك من داود حين سخر له الجبال تسير معه، وسخر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا، ثم نرجع من يومنا، فقد سخرت الريح لسليمان بن داود، ولست بأهون على ربك من سليمان، وأحيى لنا قصب جدك، أو من شئت أنت من موتانا نسأله، أحق ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيي الموتى، ولست بأهون على الله منه، فأنزل الحق سبحانه هذه الآية وما قبلها للرد عليهم.
وكانت تلك كلها مسائل يتلككون بها ليبتعدوا عن الإيمان؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه؛ وجاء القرآن يحمل منهج السماء إلى أن تقول الساعة.
وقد طلبوا أن تبتعد جبال مكة ليكون الوادي فسيحاً؛ ليزرعوا ويحصدوا؛ وطلبوا تقطيع الأرض، أي: فصل بقعة عن بقعة؛ وكان هذا يحدث بحفر جداول من المياه، وقد قال الكافرون:

{لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً "90"}
(سورة الإسراء)


والمراد من تقطيع الأرض ـ حسب مطلوبهم ـ أن تقصر المسافة بين مكان وآخر، بحيث يستطيع السائر أن يستريح كل فترة؛ فالمسافر يترك في كل خطوة من خطواته أرضاً؛ ويصل إلى أرض أخرى، وكل يقطع الأرض على حسب قدرته ووسيلة المواصلات التي يستخدمها.
فالمترف يريد أن يكون المسافة كبيرة بين قطعة الأرض والأخرى؛ لأنه يملك الجياد التي يمكن أن يقطع بها المسافة بسهولة، أما من ليس لديه مطية؛ فهو يحب أن تكون المسافات قريبة ليستطيع أن يستريح.
ونلحظ أن ذلك في زماننا المعاصر، فحين زاد الترف صارت السارات تقطع المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية دون توقف؛ عكس ما كان يحدث قديماً حين كانت السيارات تحتاج إلى راحة ومعها المسافرون بها، فيتوقفون في منتصف الطريق.
ومثل ذلك قد حدث في مملكة سبأ، يقول الحق سبحانه:

{فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم .. "19"}
(سورة سبأ)


أي: اجعل المسافة بين مكان وآخر بعيدة، كي يتمتع المسافر القادر بالمناظر الطيبة. ولاحظنا أيضاً تمادي المشركين من قريش في طلب المعجزات الخارقة؛ بأن طلبوا إحياء الموتى في قول الحق سبحانه:

{أو كلم به الموتى .. "31"}
(سورة الرعد)


وبعضهم طلب إحياء قصي بن كلاب الجد الأكبر لرسول الله ولقريش؛ ليسألوه: أحق ما جاء به محمد؟ ولكن القرآن لم يأت لمثل تلك الأمور؛ وحتى لو كان قد جاء بها لما آمنوا. ومهمة القرآن تتركز في أنه منهج خاتم صالح لكل عصر؛ وتلك معجزته.
ويقول سبحانه:

{بل لله الأمر جميعاً .. "31"}
(سورة الرعد)


وكلمة "أمر" تدل على أنه شيء واحد، وكلمة "جميعاً" تدل على متعدد، وهكذا نجد أن تعدد الرسالات والمعجزات إنما يدل على أن كل من أمر تلك الرسالات إنما صدر عن الحق سبحانه؛ وهو الذي اختار كل معجزة لتناسب القوم الذين ينزل فيهم الرسول.
ويتابع سبحانه:

{أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً .. "31"}
(سورة الرعد)


وكلمة "ييأس" يقال إنها هنا بمعنى "يعلم"؛ فهي لغة بلهجة قريش، أي: ألم يعلم الذين آمنوا أن هؤلاء الكفار لم يهتدوا؛ لأن الله لم يشأ هدايتهم. وكان المؤمنون يودون أن يؤمن صناديد قريش كي يخف الجهد عن الفئة المسلمة؛ فلا يضطهدونهم، ولا يضايقونهم في أرزاقهم ولا في عيالهم.


 

قديم 13-10-2011, 05:57 AM   #329
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 32

(ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب"32")
ويقال "هزأ بفلان" أي: سخر منه، أما "استهزئ بفلان" أي: طلب من الغير أن يهزأ بشخص معين، وهذا عليه إثمه وإثم من أوعز له بالسخرية ن هذا الشخص. وقول الحق سبحانه:

{ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك "32"}
(سورة الرعد)


أي: لست بدعاً يا محمد في أن يقف بعض الكافرين منك هذا الموقف. والمثل هو الحكم بين أبي العاص أبو مروان الذي كان يقلد مشية النبي صلى الله عليه وسلم؛ وكان رسول الله يمشي كأنما يتحدر من صبب؛ وكان بصره دائماً في الأرض.
ولم يكن الناس معتادين على تلك المشية الخاشعة؛ فقد كانوا يسيرون بغرور مستعرضين مناكبهم.
وحين قلد الحكم رسول الله رآه صلى الله عليه وسلم بنور البصيرة، فقال له صلى الله عليه وسلم: "كن على هذا"، فصارت مشيته عاهة، بينما كانت مشية رسول الله تطامناً إلى ربه، وتواضعاً منه صلى الله عليه وسلم.
ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم إلى الطائف؛ وراح يراعي الغنم هناك، ولم يعف النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ وكذلك أبو بكر في خلافته؛ ولا عمر بن الخطاب؛ ولكن الذي عفا عنه هو عثمان بن عفان، وكان قريباً له.
وشهد عثمان بن عفان وقال: "والله لقد استأذنت رسول الله فيه فقال لي: إن استطعت أن تعفو عنه فاعف، وحين وليت أمر المسلمين عفوت عنه".
وحدث من بعد ذلك أن تولى عبد الملك بن مروان أمر المسلمين؛ وكان لابنه الوليد خيل تتنافس مع خيل أولاد يزيد بن معاوية؛ واحتال أولاد يزيد بالغش، ووضعوا ما يعرقل خيل الوليد.
وحدث خلاف بين الفريقين فشتم الوليد أبناء يزيد؛ فذهب أولاد يزيد إلى عبد الملك يشكون له ولده؛ وكان الذي يشكو لا يتقن نطق العربية دون أخطأ؛ فقال له عبد الملك: ما لك لا تقيم لسانك من اللحن؟ فرد الذي يشكو ساخراً: "والله لقد أعجبتني فصاحة الوليد". ويعني: أن حال لسان ابن عبد الملك لا يختلف عن حال لسان من يشكو؛ فكلاهما لا ينطق بسلاسة، ويكثر اللحن في النطق بالعربية.
فقال عبد الملك: أتعيرني بعبد الله ابني الذي لا يتقن العربية دون لحن؟ إن أخاه خالداً لا يلحن. وتبع ذلك بقوله: اسكت يا هذا، فلست في العير ولا في النفير.
وهذا مثل نقوله حالياً، وقد جاء إلينا عبر قريش؛ حيث كانت السلطة فيها ذات مصدرين؛ مصدر العير؛ أي: التجارة التي تأتي من القوافل عبر الشام وقائدها أبو سفيان؛ والنفير؛ وهم القوم الذين نفروا لنجدة أبي سفيان في موقعة بدر؛ وكان يقودهم عتبة. فقال ابن يزيد: ومن أولى بالعير والنفير مني؟ ويعني أنه حفيد أبي سفيان من ناحية الأب؛ وحفيد عتبة من ناحية الأم.
وأضاف: لكن لو قلت شويهات وغنيمات وذكرت الطائف لكنت على حق؛ ورحم الله عثمان الذي عفا عن جدك، وأرجعه من المنفي. ونعلم أن الحق سبحانه وتعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{إنا كفيناك المستهزئين "95"}
(سورة الرعد)


وكان أي إنسان يخسر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى عقاباً إلهياً. وهنا يقول الحق سبحانه:

{ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب "32"}
(سورة الرعد)


فأنت يا رسول الله لست بدعاً في الرسالة، ولك أسوة في الرسالة، والحق سبحانه يعدك هنا في محكم كتابه:

{فأمليت للذين كفروا .. "32"}
(سورة الرعد)


أي: أمهلت الذين كفروا، والإملاء بمعنى الإمهال ليس معناه ترك العقوبة على الذنب، وإنما تأخير العقوبة لذنب قادم، والمثل هو أن تترك مخطئاً ارتكب هفوة؛ إلى أن يرتكب هفوة ثانية؛ ثم ثالثة، ثم تنزل به العقاب من حيث لا يتوقع.
وإذا كان هذا ما يحدث في عالم البشر؛ فما بالنا بقوة الحق سبحانه اللامتناهية، وهو القائل:

{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون "182"}
(سورة الأعراف)


ويقول تعالى:

{ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين "178"}
(سورة آل عمران)


تماماً مثلما نجد من يصنع فخاً لعدوه. وهنا يقول الحق سبحانه:

{ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب "32"}
(سورة الرعد)


وكلمة:

{فكيف كان عقاب "32"}
(سورة الرعد)


توضح أنه كان عقاباً صارماً؛ ولذلك يقول الحق سبحانه في موقع آخر:

{إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون "29" وإذا مروا بهم يتغامزون "30" وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين "31" وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون "32" وما أرسلوا عليهم حافظين "33" فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون "34" على الأرائك ينظرون "35" هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون "36"}
(سورة المطففين)


إذن: فلسوف يلقي الذين استهزءوا بالرسل العقاب الشديد.


 

قديم 13-10-2011, 05:57 AM   #330
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 33

(أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هادٍ"33")
ولقائل أن يتساءل: ألم يكن من الواجب ما دام قد قال:

{أفمن هو قائم على كل نفس "33" }
(سورة الرعد)


أن يأتي بالمقابل، ويقول: كمن ليس قائماً على كل نفس بما كسبت؟
ولمثل هذا السائل نقول: إنها عظمة القرآن الذي يترك للعقل ما يمكن أن يستنبطه؛ فيأتي بأشياء تتطلب التفكير والاستنباط، كي يتنبه الإنسان أنه يستقبل كلام رب حكيم؛ وعليه أن يبحث فيه.
ولذلك يقول سيدنا عبد الله بن مسعود: "ثوروا القرآن" أي: أثيروه، كي تكتشفوا ما فيه من كنوز.
ونحن نعلم أن كلمة "قائم على الأمر" تعني أنه هو الذي يديره ويدبره، ولا تخفى عليه خافية. وجاء الحق سبحانه هنا بصيغة القيام؛ كي نعلم أن الحق سبحانه لا يدير الأمر من حالة قعود؛ بل يديره وهو قائم عليه، فكل أمر هو واضح عنده غير خفي.
وهو سبحانه قائم على كل نفس بما كسبت إن خيراً فخير؛ وإن شراً فشر، ولكنكم أيها الكافرون المشركون لا تملكون لأنفسكم ضراً ولا نفعاً؛ فهل يمكن لعاقل أن يساوي بين الذي يقوم على أمر كل نفس، بغيره ممن ليس كذلك؟
ولكن هناك من قال فيهم الحق سبحانه في نفس الآية:

{وجعلوا لله شركاء .. "33"}
(سورة الرعد)


أي: جعلوا للقائم على أمر كل نفس شركاء لا يقدر الواحد فيهم على أمر نفسه؛ وبالتالي لا يقدر على أمر غيره؛ بل قد يصاب الصنم من هؤلاء بشرخ؛ فيأتي من يعبدونه ليقوموا على أمره صارخين بأن إلههم قد انشرخ؛ ويحتاج إلى مسمارين لتثبيته، فكيف يسوون ذلك الصنم بالله الذي لا يحده شيء ولا يحد قدرته شيء؟
وقول الحق سبحانه:

{وجعلوا لله شركاء .. "33"}
(سورة الرعد)


دليل على النص المحذوف: "كمن هو غير قائم على كل نفس"، فسبحانه ليس كهذه الأصنام العاجزة؛ لأنه سبحانه قائم على كل نفس؛ نفسك ونفس غيرك ونفس كل إنسان عاش أو سيعيش.
ولذلك يقول سبحانه بعدها:

{قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهرٍ من القول .. "33"}
(سورة الرعد)


وهنا يأمر الحق سبحانه رسوله أن يقول للكافرين بالله: قولوا أسماء من تعبدونهم من غير الله؛ وهي أحجار، والأحجار لا أسماء لها؛ وهم قد سموا الأصنام بأسماء كاللاّت والعزي وهبل؛ وهي أسماء لم تضف لتلك الأصنام شيئاً، فهي لا تقدر على شيء؛ ولو سموها لنسبت لعمرو بن لحي، الذي أوجدهم؛ وهم سموها.
والإله الحق لا يسميه أحد، بل يسمى هو نفسه، ولكن بما أن المسألة كذب في كذب، لذلك يسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسماء تلك الآلهة. ويقول لهم: هل تنبئون أنتم الله خالق كل الكون بما لا يعلم في كونه الذي أوجده من عدم؟
سبحانه يعلم كل ما خلق؛ وأنتم لا تعبدون إلا أصناماً ينطبق عليها أنها من ظاهر القول؛ أي: قول لا معنى له؛ لأنهم أطلقوا أسماء على أشياء لا باطن لها ولا قدرة تستطيعها، وهم اكتفوا بالظاهر والمسمى غير موجود.
ويقول الحق سبحانه:

{بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل .. "33"}
(سورة الرعد)


أي: أنهم ظنوا أنهم يمكرون على الله، ويقولون إن تلك الأصنام آلهة، وهي ليست كذلك. ثم يقول سبحانه:

{ومن يضلل الله فما له من هادٍ "33"}
(سورة الرعد)


أي: أن العذاب الذي يلقونه في الحياة الدنيا هو لصيانة حركة المجتمع من الفساد، ولابد أن يقع لهم عذاب في الحياة الدنيا؛ ولأن من يؤجل عذابه للآخرة؛ لابد أن يرى في نفسه آية العذاب قبل أن يلقي عذابه في الآخرة.
إذن: فعذاب الدنيا هو لحماية حركة الحياة؛ ولذلك نجد القوانين وهي تسن لتطبق على المنحرف؛ ومن يرتكب الجرم يخاف أن تقع عليه العين؛ وإن رآه أحد فهو يبلغ عنه ليلقى عقابه؛ وبذلك تستقيم حركة الحياة.
ولذلك نجد الحق سبحانه يقول في سورة الكهف:

{ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا "83" إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا "84" فأتبع سببا "85" حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا "86" قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا "87"}
(سورة الكهف)


أي: أنه قد أخذ تفويضاً بأن يقيم الأمر في هؤلاء الناس، فأقامه على أساس من الثواب والعقاب؛ فمن احسن فله الجزاء الحسن؛ ومن أساء يلقى العقاب، وهكذا نجد عذاب الدنيا ضرورياً لسلامة حركة الحياة من بطش من لا يؤمنون بالله.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:03 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا