المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 24-10-2011, 05:12 PM   #706
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 32

(قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين "32")
وكأنها وجدت الفرصة لتثبت لنفسها العذر في مراودتها له، فيوسف باعترافهن قد بلغ من الجمال ما لا يوجد مثله في البشر.
وقولها:

{فذلكن .. "32"}
(سورة يوسف)


مكون من "ذا" إشارة ليوسف، و"ذلكن" خطاب للنسوة، والإشارة تختلف عن الخطاب.
وهنا موقف أسلوبي؛ لأن الكلام حين ينطق به، أو حين يكتب ليقرأ؛ له ألوان متعددة، فمرة يكون نثراً لا يجمعه وزن أو قافية؛ وقد يكون نثراً مسجوعاً أو مرسلاً، ومرة يكون الكلام شعراً محكوماً بوزن وقافية. والمثل على النثر المسجوع هو قول الحق سبحانه:

{والطور "1" وكتاب مسطور "2" في رق منشور "3" والبيت المعمور "4"}
(سورة الطور)


وهذا نثر مسجوع بلا تكلف، وأنت إذا سمعت أو قرأت كلاماً؛ فأذنك تأخذ منه على قدر سمو أسلوبه، لكنك إن انتقلت من أسلوب إلى أسلوب، فأذنك تلتقط الفارق بين الأسلوبين. والمثل نجده في الرسالة التي كتبها ابن زيدون مستعطفاً ابن جهور:"هذا العتب محمود عواقبه، وهذه الغمرة نبوة ثم تنجلي، ولن يريبني من سيدي إن أبطأ سببه أو تأخر، غير ضنين ضناه، فأبطأ الدلاء قبضاً أملؤها، وأثل السحاب مشياً أعقلها، ومع اليوم غد. ولكل أجل كتاب، له الحمد على اهتباله، ولا عتب عليه في اغتفاله.
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً فأفعاله اللاتي سررن ألوف
وهكذا تشعر انتقال ابن زيدون من النثر إلى الشعر، ولكنك وأنت تقرأ القرآن، تنتقل من النثر المرسل إلى النثر المسجوع إلى النظم الشعري على وزن بحور الشعر، فلا تكاد تفرق في الأسلوب بين شعر أو نثر. والمثل نجده في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{فذلكن الذي لمتنني فيه .. "32"}
(سورة يوسف)


فهي موزونه من بحر البسيط، ولكنك لا تشعر أنك انتقلت من نثر إلى شعر. وكذلك قوله الحق.

{والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ "46"}
(سورة النور)


وأيضاً قوله الحق:

{نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم "49"}
(سورة الحجر)


وتأتي تلك الآيات في مواقع قد يكون ما قبلها نثراً، مما يدل على أن النغم الذي قاله الله نظماً أو شعراً أو نثراً لا نشاز فيه، ويكاد أن يكون سيلاً واحداً.
وهذا لا يتأتى إلا من كلام الحق تبارك وتعالى، وأنت لن تشعر بهذا الأمر لو لم ينبهك أحد لما في بعض الآيات من وزن شعري.
أما كلام البشر؛ فأنت إن قرأت الموزون؛ ثم انتقلت إلى المنثور؛ أحست أذنك بهذا الانتقال؛ ونفس المسألة تشعر بها حين تقرأ المنثور، ثم تنتقل إلى الموزون؛ وستشعر أذنك بهذا الانتقال.

{قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم .. "32"}
(سورة يوسف)


قالت ذلك بجراءة من رأت تأثير رؤيتهن ليوسف، وأعلنت أنه "استعصم"، وهذا يعني أنه قد تكلف المشقة في حجز نفسه عن الفعل، وهو قول يثبت أن رجولة يوسف غير ناقصة، فقد جاهد نفسه ليكبتها عن الفعل. ويتابع الحق سبحانه ما جاء على لسان امرأة العزيز:

{ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين "32"}
(سورة يوسف)


قالت ذلك وكأنها هي التي تصدر الأحكام، والسامعات لها هن من أكبرن يوسف لحظة رؤيته؛ تعلن لهن أنه إن لم يطعها فيما تريد؛ فلسوف تسجنه وتصغر من شأنه لإذلاله وإهانته. أما النسوة اللاتي سمعنها؛ فقد طمعت كل منهن أن تطرد امرأة العزيز يوسف من القصر؛ حتى تنفرد أي منهن به. ولذلك يورد لنا الحق سبحانه قول يوسف عليه السلام:


 

قديم 24-10-2011, 05:13 PM   #707
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 33

(قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين "33")
ولسائل أن يقول: ولماذا جاء قول يوسف بالجمع، وقال:

{السجن أحب إلي مما يدعونني إليه .. "33"}
(سورة يوسف)


على الرغم من أن امرأة العزيز هي التي قالت:

{ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن .. "32"}
(سورة يوسف)


ونقول: لابد أن يوسف عليه السلام قد رأى منهن إشارات أو غمزات توحي له بألا يعرض نفسه لتلك الورطة التي ستؤدي به إلى السجن؛ لذلك أدخل يوسف عليه السلام في قوله المفرد ـ امرأة العزيز ـ في جمع النسوة اللاتي جمعتهن امرأة العزيز، وهن اللاتي طلبن منه غمزاً أو إشارة أن يخرج نفسه من هذا الموقف. ولعل أكثر من واحدة منهن قد نظرت إليه في محاولة لاستمالته، وللعيون والانفعالات وقسمات الوجه تعبير أبلغ من تعبير العبارات، وقد تكون إشارات عيونهن قد دلت يوسف على المراد الذي تطلبه كل واحدة منهن، وفي مثل هذه الاجتماعات تلعب لغة العيون دوراً هاماً.
وهاهو ذا أبو دلامة الشاعر وقد جلس في مجلس الخليفة، وكان أبو دلامة مشهوراً بقدرة كبيرة على الهجاء. وأراد الخليفة أن يداعبه فقال له: عزمت عليك إلا هجوت واحداً منا.
ودارت عيون في المجلس، وأشار له كل من حضر المجلس خفية بأنه سيجزل له العطاء إن ابتعد أبو دلامة عن هجائه؛ ولأن أبا دلامة معروف بالطمع، وخشي أن يضيع منه أي شيء من العطايا؛ لذلك قام بهجاء نفسه؛ وقال:
ألا أبـلغ لديك أبا دلامة فليس من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قرداً وخنزيراً إذا خـلع العمامة
وهكذا خرج من قسم الأمير؛ وكسب العطايا التي وعده بها من حضروا المجلس. وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد يوسف عليه السلام قد جمع امرأة العزيز مع النسوة؛ فقال:

{رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه .. "33"}
(سورة يوسف)


أي: أن السجن افضل لديه من أن يوافق امرأة العزيز على فعل الفحشاء، أو يوافق النسوة على دعوتهن له أن يحرر نفسه من السجن بأن يستجيب لها، ثم يخرج إليهن من القصر من بعد ذلك. ولكن يوسف عليه السلام دعا ربه، فقال:

{وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين "33"}
(سورة يوسف)


ولسائل أن يقول: ولماذا لم يقل يوسف "يا إلهي" وهو يعلم أن مناط التكليف في الألوهية بـ"افعل" و"لا تفعل"؟
نقول: أراد يوسف أن يدعو ربه باسم الربوبية اعترافاً بفضله سبحانه؛ لأنه هو جل وعلا من رباه وتعهده؛ وهو هنا يدعوه باسم الربوبية ألا يتخلى عنه في هذا الموقف.
فيوسف عليه السلام يعرف أنه من البشر؛ وإن لم يصرف الله عنه كيدهن؛ لاستجاب لغوايتهن، ولأصبح من الجاهلين الذين لا يلتفون إلى عواقب الأمور.
وعلى الرغم من أن السجن أمر كريه؛ إلا أنه قد فضله على معصية خالقه، ولأنه لجأ إلى المربي الأول.


 

قديم 24-10-2011, 05:13 PM   #708
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 34

(فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم "34")
وهكذا تفضل عليه الله الذي خلقه وتولى تربيته وحمايته، فصرف عنه كيدهن؛ الذي تمثل في دعوتهن له أن يستسلم لما دعته إليه امرأة العزيز، ثم غوايتهن له بالتلميح دون التصريح. تلك الغواية التي تمثلت في قول الملك من بعد ذلك:

{قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء .. "51"}
(سورة يوسف)



 

قديم 24-10-2011, 05:14 PM   #709
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 35

(ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين "35")
وبعد أن ظهرت العلامات الشاهدة على براءة يوسف عليه السلام أمام العزيز وأهل مشورته، وانكشف لهم انحراف امرأة العزيز وإصرارها على أن توقع بيوسف في الفعل الفاضح معها، دون خجل أو خوف من الفضيحة.
لذلك رأى العزيز وأهل مشورته أن يوضع يوسف عليه السلام في السجن؛ ليكون في ذلك فصل بينه وبينها؛ حتى تهدأ ضجة الفضيحة؛ وليظهر للناس أنه مسئول عن كل هذا السوء الذي ظهر في بيت العزيز. كما أن كلمة:

{ليسجننه .. "35"}
(سورة يوسف)


فيها نوع من استبقاء الحب الذي يكنه العزيز ليوسف، فهو لم يأمر بقتله أو نفيه بعيداً؛ بل احتفظ به بعيداً عن الزوجة المصرة على الخيانة، وعن المجتمع الذي يلوك تلك الوقائع. والسجن ـ كما نعلم ـ هو حبس المسجون لتقييد حركته في الوجود؛ وهو إجراء يتخذه القاضي أو الحاكم كعقوبة يراد بها إذلال المسجون، أو وقاية المجتمع من شره.
ونعلم أن الإنسان لا يجترئ على الأحكام إلا حين يظن أو يعلم أن له قدرة؛ وله غلبة؛ فيعلن له القاضي أو الحاكم نهاية تلك الغلبة والقدرة، ويأمر بدخوله إلى السجن ويحرس تقييد حريته سجان؛ وقد يتعرض للضرب أو الإهانة.
هذا هو السجن المتعارف عليه في العصور القديمة والحديثة، حين تعزل المسجون عن المجتمع، وقد يعطف عليه بعض من أبناء المجتمع، ويزوره بعض من أقاربه؛ ومعهم المأكولات؛ والمطلوبات.
ولكن هناك سجن ديني أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حين عزل المجتمع الإيماني عن السجين، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يكلم أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن الخروج معه للقتال بحجج واهية؛ بل وتسامى هذا العزل إلى أن صار عزلاً عن الأهل، إلى أن أمر صلى الله عليه وسلم بإنهاء هذا العزل بعد أن تحقق الغرض منه.
وماذا عن حال يوسف في السجن؟


 

قديم 24-10-2011, 05:14 PM   #710
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 36

(ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين "36")
المعية التي دخل فيها اثنان من الفتية معه السجن هي معية ذات، وقيل: إنهما الخباز والساقي، وقيل: إن سبب دخولهما هو رغبة بطانة عزيز مصر في التشويش على ما حدث من فضيحة كبرى؛ هي فضيحة مراودة امرأة العزيز ليوسف؛ ورفض يوسف لذلك.
وكان التشويش هو إذاعة خبر مؤامرة على العزيز؛ وأن الساقي والخباز قد تم ضبطهما بمحاولة وضع السم للعزيز. وبعد فترة من حياة الاثنين مع يوسف داخل السجن، وبعد معايشة يومية له تكشف لهما سلوك يوسف كواحد من المحسنين.
وحدث أن رأى كل منهما حلماً، فقرر أن يطلبا منه تأويل هذين الحلمين، والسجين غالباً ما يكون كثير الوساوس، وغير آمن على غده؛ ولذلك اتجها إليه في الأمر الذي يهمهم:

{قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين "36"}
(سورة يوسف)


ومن سياق الكلام نعرف أننا أمام حلمين؛ فواحد منهما رأى في منامه أنه يعصر خمراً، ورأى الثاني أنه يحمل خبزاً فوق رأسه تأكل منه الطير، واتجه كلاهما ـ أو كل منهما على حدة ـ يطلبان ـ تأويل الرؤيتين المناميتين، أو أنهما قد طلبا نبأ تأويل هذا الأمر الذي رأياه. وحيثية لجوئهما إليه هو قولهما:

{إنا نراك من المحسنين "36"}
(سورة يوسف)


وهذا يدل على أن الإحسان أمر معلوم لكل البشر، حتى أصحاب النفوس المنحرفة، فلا أحد يمكن أن يحكم على آخر أنه محسن إلا إذا وافق عمله مقاييس الإحسان في ذهن من يصدر هذا الحكم.
فكل نفس تعرف السوء، وكل نفس تعرف الإحسان، ولكن الناس ينظرون إلى الإحسان وإلى السوء بذاتية أنفسهم، ولكنهم لو نظروا إلى مجموع حركة المتحركين في الكون، ونظروا إلى أي أمر يتعلق بالغير كما يتعلق بهم؛ لعرفوا أن الإحسان قدر مشترك بين الجميع.
ونجد اللص ـ على سبيل المثال ـ لا يسيئه أن يسرق أحداً، لكن يسيئه لو أن أحد قام بسرقته، وهكذا نرى الإحسان وقد انتفض في أعماقه حين يتوجه السوء إليه، ويعرف حينئذ مقام الإحسان، ولكنه حين يمارس السرقة؛ ويكون السوء متوجهاً منه إلى الغير؛ فهو يغفل عن مقام الإحسان.
إذن: إن أردن أن تعرف مقام الإحسان في مقاييس الفضائل والأخلاق؛ فافهم الأمر بالنسبة لك إيجاباً وسلباً.
والمثال الذي أضربه دائماً هو: قبل أن تمد عينيك إلى محارم غيرك، وتعتبر أن هذا ليس سوءً، هنا عليك أن تعرف مقياسه من الحسن إن نقلت الأمر إلى الصورة العكسية؛ حين تتجه عيون الغير إلى محارمك.
هنا ستجد الميزان ـ ميزانك للأمور ـ وقد اعتدل. وإذا أردت اعتدال الميزان في كل فعل؛ فانظر إلى الفعل يقع منك على غيرك؛ وانظر إلى الفعل يقع من الغير عليك؛ وانظر إلى الراجح في نفسك من الأمرين ستجد قب الميزان منضبطاً.
وأقول دائماً: إن الحق سبحانه حين حرم عليك أن تسرق غيرك، لم يضيق حريتك؛ بل ضيق حرية الملايين كي لا يسرقوك، وهذا مكسب لك.
إذن: فالذي يعرف مقام الإحسان؛ لا ينسب الفعل الصادر منه على الغير؛ والفعل الصادر من الغير؛ بل ينظر إليهما معاً؛ فما استقبحه من الغير عليه؛ فليستقبحه منه على الغير.
وقد حكم السجينان على يوسف أنه من المحسنين، وعلم يوسف عليه السلام من حكمهما عليه أن مقاييس الإحسان موجودة عندهما؛ ولذلك نظر إلى الأمر الذي جاءاه من أجله، واستغل هذه المسألة؛ لا لقضاء حاجتهما منه؛ ولكن لقضاء حاجته منهما.
فقد رأى فيهما شبهة الإيمان بالإحسان؛ والإيمان بالمحسنين، فلماذا لا ينتهز الفرصة فيأخذ حاجته منهما؛ قبل أن يعطيهما حاجتهما منه؟ وكأنه قال لهما: ماذا رأيتما من إحساني؟ هل رأيتم حسن معاملتي لكم؟ أم أن كلاً منكما قد رأى دقة اختياري للحسن من القول؟


 

قديم 24-10-2011, 05:14 PM   #711
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 37

(قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون "37")
وبذلك أوضح لهما أنهما لا يريان منه إلا الظاهر من السلوك، ولكن هناك أمور مخفية، وكأنه ينمي فيهما شعورهما بمنزلته وبإحسانه وبقدرته على أن يخبرهما بأوصاف ونوع أي طعام يرزقانه قبل أن يأتي هذا الطعام.
وهذه ليست خصوصية في يوسف أو من عندياته، ولكنها من علم تلقاه عن الله، وهو أمر يعلمه الله لعباده المحسنين؛ فيكشف الله لهم بعضاً من الأسرار. وهما ـ السجينان ـ يستطيعان أن يكونا مثله إن أحسناً الإيمان بالله. ولذلك يتابع الحق سبحانه:

{ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون"37"}
(سورة يوسف)


وكأنه بذلك يهديهما إلى الطريق الذي يجعلهما من المحسنين الذين يعطيهم الله بعضاً من هبات الخير، فيعلمون أشياء تخفى على غيرهم.
وهذا يدلنا على أن المؤمن إذا رأى في إنسان ما مخيلة خير فلينمي هذه المخيلة فيه ليصل إلى خير اكبر؛ وبذلك لا يحتجز الخصوصية لنفسه حتى لا يقطع الأسوة الحسنة؛ ولكي يطمع العباد في تجليات الله عليهم وإشراقاته.
ولذلك أوضح يوسف عليه السلام للسجينين أنه ترك ملة قوم لا يؤمنون بالله بما يليق الإيمان به سبحانه، ولا يؤمنون بالبعث والحساب ثواباً بالجنة، أو عقاباً في النار


 

قديم 24-10-2011, 05:15 PM   #712
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 38

(واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون "38")
وبذلك أوضح يوسف عليه السلام أنه ترك ملة القوم الذين لا يعبدون الله حق عبادته، ولا يؤمنون بالآخرة، واتبع ملة آبائه إبراهيم ثم إسحق ثم يعقوب، وهم من أرسلهم الله لهداية الخلق إلى التوحيد، وإلى الإيمان بالآخرة ثواباً بالجنة وعذاباً بالنار.
وذلك من فضل الله بإنزاله المنهج الهادي، وفضله سبحانه قد شمل آباء يوسف بشرف التبليغ عنه سبحانه؛ ولذلك ما كان لمن يعرف ذلك أن يشرك بالله، فالشرك بالله يعني اللجوء إلى آلهة متعددة. يقول الحق سبحانه:

{وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون "91"}
(سورة المؤمنون)


فلو أن هناك آلهة غير الله سبحانه لصنع كل إله شيئاً لا يقدر على صنعه الإله الآخر؛ ولأصبح الأمر صراعاً بين آلهة متنافرة.
ومن فضل الله ـ هكذا أوضح يوسف عليه السلام ـ أن أنزل منهجه على الأنبياء؛ ومنهم آباؤه إبراهيم وإسحق ويعقوب؛ ليبلغوا منهجه إلى خلقه، وهم لم يحبسوا هذا الفضل القادم من الله، بل أبلغوه للناس.

{ولكن أكثر الناس لا يشكرون "38"}
(سورة يوسف)


وساعة تقرأ أو تسمع كلمة:

{ولكن أكثر الناس لا يشكرون "38"}
(سورة يوسف)



 

قديم 24-10-2011, 05:15 PM   #713
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 39

(يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار "39")
وكلمة "صاحب" معناها ملازم؛ والجامع بين يوسف والسجينين هو السجن، ونحن نقول "فلان صاحب الدراسة" أو "صاحب حج"، الشيء الذي يربط بين اثنين أو أكثر، إما أن تنسبه للمكان، أو تنسبه إلى الظرف الذي جمع بين تلك المجموعة من الصحبة. وطرح يوسف السؤال:

{يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار "39"}
(سورة يوسف)


وحين تطرح سؤالاً عبر مقابل لك، فأنت تعلم مقدماً أنه يفهم أن أرباباً متفرقون ليسوا خيراً من إله واحد، وكأن يوسف قد وثق من أن إجابتهما لن تكون إلا بقولهم "بل عبادة إله واحد خير". وهو لم يكن ليسأل إلا إذا عرف أنهما سيديران كل الأجوبة؛ فلا يجدان جواباً إلا الجواب الذي أراده. فهما قد عبدا آلهة متعددة؛ وكان المفروض في مقاييس الأشياء أن تغنيكم تلك الآلهة عن اللجوء لمن يعبد الإله الواحد. إذن: في قوى البشر نجد التعدد يثري ويضخم العمل، لكن في الألوهية نجد الشرك يضعف العمل. ولذلك نجد الصوفي يقول: اعمل لوجه واحد يكفيك كل الأوجه. ولذلك قال يوسف عليه السلام لصاحبي السجن:

{أأرباب متفرقون خير .. "39"}
(سورة يوسف)


ولو كان تفرقهم تفرق ذوات لكانوا بلا كمال يستحقون من أجله العبادة، ولو كان تفرقهم تفرق تكرار لما كان لهذا التكرار لزوم، ولو كان تفرقهم تفرق اختصاصات، فهذا يعني أن لكل منهم نقطة قوة ونقاط ضعف؛ وتفرقهم هذا دليل نقص. لذلك رحمنا الحق نحن المؤمنين به لنعبد إلهاً واحداً، فقال:

{ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون "29"}
(سورة الزمر)


 

قديم 24-10-2011, 05:15 PM   #714
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 40

(ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون "40")
ونلحظ أن يوسف ـ عليه السلام ـ لم يتكلم حتى الآن مع السجينين عن مطلوبهما منه، وهو تأويل الرؤيتين، وهو لو تكلم في المطلوب منه أولاً؛ لانصرف ذهن وانتباه كل من السجينين إلى قضاء حاجتهما منه؛ ولن يلتفتا بعد ذلك إلى ما يدعو إليه؛ ولأن الذي يدعو إليه هو الأمر الأبقى، وهو الأمر العام الذي يتعلق بكل حركة من حركات الحياة. وبذلك كان يوسف عليه السلام يؤثر السجينين؛ فقد أراد أن يلفتهما إلى الأمر الجوهري قبل أن يتحدث عن الجزئية الصغيرة التي يسألان فيها؛ وأراد أن يصحح نصرة الاثنين إلى المنهج العام الذي يدير به الإنسان كل تفاصيل الحياة وجزئياتها؛ وفي هذا إيثار لا أثرة. وهنا قال الحق سبحانه على لسان يوسف عليه السلام:

{ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم .. "40"}
(سورة يوسف)


أي: أن ما تعبدونه من آلهة متعددة هو مجرد عبادة لأسماء بلا معنى ولا وجود؛ أسماء ورثتموها عن آبائكم أو أنشأتموها أنتم فكفرتم بإنشاء أسماء لآلهة غير موجودة، كما كفر آباؤكم كفر نسيان التكليف أو إنكار التكليف. وتوضع الأسماء عادة للدلالة على المسمى؛ فإذا نطقنا الاسم تجئ صورة المسمى إلى الذهن؛ ولذلك نسمي المولود بعد ولادته باسم يميزه عن بقية إخوته؛ بحيث إذا أطلق الاسم انصرف إلى الذات المشخصة. وإذا أطلق اسم واحد على متعددين؛ فلابد أن يوضح واضع الاسم ما يميز كل ذات عن الأخرى. والمثل من الريف المصري؛ حين يتفاءل أب باسم "محمد"؛ فيسمي كل أولاده بهذا الاسم، ولكنه يميز بينهم بأن يقول: "محمد الكبير" و"محمد الأوسط" و"محمد الصغير".
أما إذا وضع اسم لمسمى غير موجود؛ فهذا أمر غير مقبول أو معقول، وهم قد وضعوا أسماء لآلهة غير موجودة؛ فصارت هناك أسماء على غير مسمى. ويأتي هؤلاء يوم القيامة؛ ليسألوا لحظة الحساب:

{ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون "73" من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين "74"}
(سورة غافر)


وهكذا يعترف هؤلاء بأنه لم تكن هناك آلهة؛ بل كان هنا أسماء بلا مسميات. ولذلك يقول الحق سبحانه هنا:

{ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم .. "40"}
(سورة يوسف)


وكان يوسف يتساءل: إذا كانت لكم حاجة تطلبونها من السماء، هل ستسألون الاسم الذي لا مسمى له؟ وهل يسعفكم الاسم بدون مسمى.
ويوسف عليه السلام يعلم أن المعبود لا يمكن أن يكون اسماً بلا مسمى، وهو يعلم أن المعبود الحق له اسم يبلغه لرسله، وينزل معهم المنهج الذي يوجز في "افعل" و"لا تفعل". وهم قد سموا أسماء لا مسمى لها، ولا يستطيع غير الموجود أن ينزل منهجاً، أو يجيب مضطراً. ولذلك يتابع القرآن ما جاء على لسان يوسف عليه السلام في وصف تلك الأسماء التي بلا مسميات، فيقول:

{ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان .. "40"}
(سورة يوسف)


أي: ما أنزل الله بها من حجة. وتتابع الآية الكريمة ما جاء على لسان يوسف:

{إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه .. "40"}
(سورة يوسف)


أي: إنني ـ والكلام ليوسف ـ إن قلت شيئاً فلأني ناقل للحكم عن الله، لا عن ذاتي؛ ولا من عندي؛ ولا عن هواي؛ لأنه هو سبحانه الذي أمر ألا تعبدوا إلا إياه، أي: لا تطيعوا أمراً أو نهياً إلا ما أنزله الله في منهجه الهادي للحق والخير. ويذيل الحق سبحانه الآية الكريمة:

{ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون "40"}
(سورة يوسف)



 

قديم 24-10-2011, 05:16 PM   #715
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 41

(يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان "41")
وهكذا رجع يوسف عليه السلام إلى مطلب السجينين، وفسر رؤيا من يسقي الخمر بأنه سيخرج من السجن ويعود ليسقي سيده، وأما الآخر فلسوف يصلب وتأكل الطير من رأسه، لأن رمزية الرؤيا تقول: إن الطير سيأكل من رأسه؛ وهذا يعني أن رأسه ستكون طعاماً للطير. وتأويل الرؤيا علم يقذفه الله في قلوب من علمهم تأويل الأحاديث، وهي قدرة على فك شفرة الحلم، ويعطيها الله لمن يشاء من عباده. وقد قال يوسف لمن قال:

{إني أراني أعصر خمراً .. "36"}
(سورة يوسف)


أنه سوف ينال العفو ما أظهرته الرؤيا التي قالها، وأما الآخر فسيأكل من رأسه الطير. أي: سيصلب كما أوحت بذلك رموز الرؤيا. ونلحظ أن يوسف عليه السلام قد انشغل بالحكم الذي أوضحته الرؤيتان عن الاثنين صاحبي الرؤيتين.
وهذا دليل على أن القاضي يجب أن يكون ذهنه منصباً على الحكم؛ لا على المحكوم عليه، فقد سمع يوسف منهما؛ وهو لا يعرف من سينال البراءة، ومن الذي سوف يعاقب. فنزع يوسف ذاته من الأمر، ولم يسمح لنفسه بدخول الهوى إلى قلبه؛ لأن الهوى يلون الحكم، ولا أحد بقادر على أن يسيطر على عاطفته، ولابد للقاضي لحظة أن يصدر حكماً أن يتجرد تماماً من الهوى والذاتيات.
ويعلمنا الحق سبحانه ذلك حين أنزل لنا في قرآنه قصة سيدنا داود عليه السلام:

{وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب "21" إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط "22" إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب "23" قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب "24"}
(سورة ص)


وكان من ذكر عدد نعاج أخيه أنه إنما أراد أن يستميل داود عليه السلام لصفه؛ وكان يريد أن يصور الظلم الذي وقع عليه، وحكم داود بأن من أخذ النعجة ليضمها لنعاجه هو الذي ظلم؛ وشعر داود أنه لم يوفق في الحكم؛ لأنه ذكر في حيثية الحكم نعاج الذي أراد أن يأخذ نعجة أخيه.
فالأخذ وحده كان هو المبرر عند داود لإدانة الذي أراد الاستيلاء على ما ليس من حقه؛ ولذلك اعتبر أن هذا الأمر كله فتنة لم يوفق فيها، واستغفر الله بالركوع والتوبة. وقد كان يوسف عليه السلام حكيماً حين قال تأويل الرؤيا متجرداً من الذاتية، وأنهى التأويل بالقول:

{قضي الأمر الذي فيه تستفتيان "41"}
(سورة يوسف)


أي: أنه لا مجال للرجوع أو العدول عن حدوث ذلك الذي وصل إليه من تأويل؛ فقد جاء التأويل وفقاً لما علمه الله له. وهناك الكثير من الروايات عما تحمله يوسف من صعاب قبل الجب وقبل السجن، وقيل: إن عمته ابنة إسحق، وهي اكبر أولاده؛ قد استقبلته بعد أن ماتت أمه لترعاه فتعلقت به؛ ولم تحب أحداً قدر محبتها له.
وتاقت نفس يعقوب إلى ولده؛ فذهب إليها وقال لها: سلمي إلي يوسف. لكنها قالت: والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة، ولن أتركه.
فلما خرج يعقوب عليه السلام من عندها، عمدت إلى شيء من ميراث إبراهيم عليه السلام يتوارثه اكبر الأبناء، ووضعته تحت ملابس يوسف.
وكان العرف الجاري أنه إذا سرق أحد شيئاً وتم ضبطه؛ تحول من حر إلى عبد، وحين كاد يعقوب أن يخرج مع ابنه يوسف عائدا إلى بيته؛ أعلنت العمة فقدان الشيء الذي أعطاه لها والدها إسحق؛ وفتشوا يوسف فوجدوا الشيء المفقود.
فقالت عمته: والله إنه لسلم ـ أي عبد ـ وكان العرف أن من يسرق شيئاً يتحول إلى عبد عند صاحب الشيء. وهكذا بقى يوسف مع عمته محروماً من أبيه لفترة، ولم يستطع الأب استرداده إلا بعد أن ماتت العمة.
ثم جاءت حادثة الجب، ومن بعدها محاولة امرأة العزيز لغوايته، ورغم تيقن العزيز من براءته إلا أنه أودع السجن؛ ويقول الرواة: "إن يوسف عليه السلام قد عرف في السجن بالجود، والأمانة، وصدق الحديث، وحسن السمت، وكثرة العبادة، ومعرفة التعبير ـ أي تأويل الرؤيا ـ والإحسان إلى أهل السجن.
ولما دخل هذان الفتيان معه السجن؛ تآلفا به وأحباه حباً شديداً وقالا له: والله لقد أحببناك حباً زائداً. قال: بارك الله فيكما؛ إنه ما من أحد أحبني إلا دخل علي من محبته ضرر، أحبتني عمتي فدخل الضرر بسببها، وأحبني أبي فأوذيت بسببه، وأحبتني امرأة العزيز فكذلك.
أي: أنه دخل السجن وصار معهما دون ذنب جناه.
قال السجينان: إنا لا نستطيع غير ذلك".
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك ما قاله يوسف لمن ظن أنه سينجو من السجن:


 

قديم 24-10-2011, 05:16 PM   #716
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 42

(وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين "42")
والمقصود هنا هو السجين الذي رأى حلماً يعصر فيه العنب، فهو الذي فسر له يوسف رؤياه بأنه سينجو؛ ويواصل مهمته في صناعة الخمر لسيده. وقوله سبحانه:

{وقال للذي ظن .. "42"}
(سورة يوسف)


يعني أن الأمر بالنجاة لم يتيقن بعد، ولم يصبح علماً. وقد أوصاه يوسف عليه السلام:

{اذكرني عند ربك .. "42"}
(سورة يوسف)


والذكر هو حضور شيء بالبال؛ وكان له بالبال صلة استقبال، مثل أي قضية عرفتها من قبل ثم تركتها، ونسيتها لفترة، ثم تذكرتها من جديد. وهكذا نعلم أن للإنسان استقبالات للإدراكات، وهي لا تظل في بؤرة الشعور كل الوقت؛ لأن الذهن لا يستطيع أن يكون مشغولاً إلا بشيء واحد، فإن جاء شيء آخر فهو يزحزح الأمر الأول إلى حافة الشعور، ليستقر الأمر الجديد في بؤرة الشعور.
والمثل الذي أضربه دائماً هو إلقاء حجر في الماء، فيصنع الحجر دوائر تكبر ويتتابع اتساع أقطارها، وهكذا بؤرة الشعور، حين تستقبل أمراً أو خاطراً جديداً. فالخاطر الجديد يبعد كل الخواطر الأخرى من المركز إلى الحاشية، ثم يأتي ما يذكرك بما في حاشية الشعور؛ ليعود لك الخاطر أو الأمر الذي كنت قد نسيته وتتذكره بكل تفاصيله؛ لأن ذاكرة الإنسان تعمل على مستويين؛ فهي تحفظ المعلومات؛ وتسترجع المعلومات أيضاً. وقد قال يوسف لمن ظن أنه ناجٍ:

{اذكرني عند ربك .. "42"}
(سورة يوسف)


أي: اذكر ما وجدته عندي من خير أمام سيدك. وقال بعض المفسرين: إن يوسف عليه السلام حين نطق هذا القول؛ شاء له الله أن يمكث في السجن بضع سنين؛ فما كان ينبغي له كرسول أن يوسط الغير في مسألة ذكره بالخير عند سيد ذلك السجين. فيوسف كرسول إنما يتلقى عن الله بواسطة الوحي؛ وهو قد قال لذلك السجين وزميله:

{لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي .. "37"}
(سورة يوسف)


وهذا يعني أنه يستقبل عن الله مباشرة، وكان عليه أن يظل موصولاً بالمصدر الذي يفيض عليه. ويتابع الحق سبحانه:

{فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين "42"}
(سورة يوسف)



 

قديم 24-10-2011, 05:16 PM   #717
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 43

(وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون "43")
والأرض التي وقعت عليها، وجرت فوقها تلك القصة هي مصر، وسبق أن عرفنا ذلك حين قال الحق سبحانه:

{وقال الذي اشتراه من مصر .. "21"}
(سورة يوسف)


وهكذا نعرف أن هناك "ملك"، وهناك "عزيز". ونحن نعلم أن حكام مصر القديمة كانوا يسمون الفراعنة، وبعد أن اكتشف "حجر رشيد"، وتم فك ألغاز اللغة الهيروغليفية؛ عرفنا أن حكم الفراعنة قد اختفى لفترة؛ حين استعمل مصر ملوك الرعاة، وهم الذين يسمون الهكسوس. وكانت هذه هي الفترة التي ظهر فيها يوسف، وعمل يوسف وأخوه معهم، فلما استرجع الفراعنة حكم مصر طردوا الهكسوس، وقتلوه من كانوا يوالونهم.
وحديث القرآن عن وجود ملك في مصر أثناء قصة يوسف عليه السلام هو من إعجاز التنبؤ في القرآن. وساعة تقرأ:

{وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف .. "43"}
(سورة يوسف)


ثم يطلب تأويل رؤياه؛ فهذا يعني أنها رؤيا منامية. وكلمة:

{سمان "43"}
(سورة يوسف)


أي: ممتلئة اللحم والعافية. وكلمة (عجاف) أي: الهزيلة؛ كما يقال عند العامة "جلدها على عضمها"؛ فكيف تأكل العجاف السمان؛ مع أن العكس قد يكون مقبولاً؟ وأضاف الملك:

{وسبع سنبلات خضر وأخر يابساتٍ .. "43"}
(سورة يوسف)


ولم يصف الملك أي فعل يصدر عن السنابل، ثم سأل من حوله من أعيان القوم الذين يتصدرون صدور المجالس، ويملأون العيون:

{أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون "43"}
(سورة يوسف)


وكلمة (تعبرون) مأخوذة من "عبر النهر" أي: انتقل من شاطئ إلى شاطئ، وكأنه يطلب منهم المراد المطوي في الرؤيا. ومن هذا المعنى أخذنا كلمة "العبرة"، وهي التجربة التي نستفيد منها، ومنه أيضاً "العبارة" وهو أن يكون هناك شيء مكتوم في النفس، ونؤديه، ونظهره بالعبارة.
ومنه "العبرة"، وهو الدمعة التي تسقط من العين تعبيراً عن مشاعر ما؛ سواء كانت مشاعر حزن أو فرح، والمادة كلها تدور حول تعريف مجهول بمعلوم. وهكذا يفعل مفسر الريا حين يعبر ـ من خلال رموزها ـ من الخيال إلى الحقيقة. ولم يعرف الملأ الذين حول الملك تفسيراً للرؤيا التي رآها في منامه. ويقول الحق سبحانه ما جاء على ألسنتهم:


 

قديم 24-10-2011, 05:17 PM   #718
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 44

(قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين"44")
وهكذا أعلن الملأ أن رؤيا الملك ليست سوى أخلاط أحلام بلا معنى. و"الضغث" هو حزمة من الحشائش مختلفة الأجناس؛ فكأن رؤيا الملك لا تأويل لها عندهم؛ لأنهم ليسوا من أهل التمييز في التأويل.
وهذا صدق من البطانة في ألا يخبر أحدهم بشيء، إلا إذا كان على علم به؛ ولا يضير أحدهم أن يعلن جهله بأمر ما لا يعلمه. والذي يعلن جهله بأمر لسائله ـ ويكون قد علمه ـ يجعله يسأل غيره، أما إن أجاب بجواب؛ فربما جعله يثبت على هذا الجواب.
ولذلك قال العلماء ليفسحوا مجال الصدق في الفتيا: "من قال لا أدري فقد أفتى"؛ لأنه حين يقول "لا أدري"؛ سيضطرك إلى أن تسأل غيره


 

قديم 25-10-2011, 06:03 AM   #719
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 45

(وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون "45")
وكان الذي نجا من السجينين يسمع مقالة الملك ورد الملأ؛ فاسترجع بذاكرته ما مر عليه في السجن، وكيف رأى الرؤيا، وكيف قام يوسف بتأويلها. وقوله:

{واذكر بعد أمةٍ .. "45"}
(سورة يوسف)


يعني: أنه أجهد عقله وذهنه؛ وافتعل التذكر لأن فترة لا بأس بها من الزمن قد مرت، وكلمة "أمة" تعني فترة من الزمن؛ كما في قول الحق تبارك وتعالى:

{ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون "8"}
(سورة هود)


و"الأمة" قد يراد بها الجماعة من الناس، ويراد بها أيضاً الرجل الجامع لكل صفات الخير، كما قال الحق سبحانه في وصف إبراهيم عليه السلام:

{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين "120"}
(سورة النحل)


أي: أن كل خصال الخير مجموعة في إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام، وبعد أن افتعل ساقي الملك واجتهد ليتذكر ما حدث له منذ فترة هي بضع سنين؛ أيام أن كان سجيناً ورأى رؤيا منامية أولها له يوسف، قال الساقي للملأ وللملك عن تلك الرؤيا:

{أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون "45"}
(سورة يوسف)


وبذلك استأذن ليذهب إلى من يؤول له رؤيا الملك. وقوله:

{فأرسلون "45"}
(سورة يوسف)


يعني أن التأويل ليس من عنده؛ بل هو يعرف من يستطيع تأويل الرؤى. ونلحظ أن القرآن لم يحمل على لسان هذا الرجل: إلى من سوف يذهب؛ لأن ذلك معلوم بالنسبة له ولنا، نحن الذين نقرأ السورة.
وانتقل القرآن من طلب الإرسال إلى لقاء يوسف عليه السلام؛ فيقول الحق سبحانه ما جاء على لسان ساقي الملك:


 

قديم 25-10-2011, 06:03 AM   #720
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 46

(يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون "46")
وقوله:

{أيها الصديق .. "46"}
(سورة يوسف)


يدل على أنه قد جربه في مسائل متعددة، وثبت صدقه. و"صديق" لا يقتصر معناها على أنه صادق في كل أقواله؛ وصادق في كل أفعاله، وصادق في كل أحواله، ولكن معناها يتسع ليدلنا على أن الصدق ملازم له دائماً في القول وفي الفعل.أما في الأقوال فصدقه واضح؛ لأنه يقول القضية الكلامية ولها واقع من الخارج يدل عليها. وأما صدق الأفعال فهو ألا تجرب عليه كلاماً، ثم يأتي فعله مخالفاً لهذا الكلام؛ وهذا هو من نطلق عليه "صديق". ونحن نعلم أن حركات الإنسان في الحياة تنقسم قسمين؛ إما قول وإما فعل؛ والقول أداته اللسان، والفعل أداته كل الجوارح.
إذن: فهناك قول، وهناك فعل؛ وكلاهما عمل؛ فالقول عمل؛ والرؤية بالعين عمل؛ والسمع بالأذن عمل، والمس باليد عمل. لكن القول اختص باللسان، وأخذت بقية الجوارح الفعل؛ لأن الفعل هو الوسيلة الإعلامية بين متكلم وبين مخاطب، وأخذ شق الفعل. وهكذا نعلم أن الفعل قسمان: إما قول؛ وإما فعل. والصديق هو الذي يصدق في قوله، بأن تطابق النسبة الكلامية الواقع، وصادق في فعله بألا يقول ما لا يفعل. ولذلك قال الحق سبحانه:

{كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "3"}
(سورة الصف)


ونعلم أن ساقي الملك كانت له مع يوسف تجربتان:
التجربة الأولى: تجربة معايشته في السجن هو وزميله الخباز وقولهما له:

{إنا نراك من المحسنين "36"}
(سورة يوسف)


وكان قولهما هذا هو حيثية سؤالهم له أن يؤول لهما الرؤيتين:

{قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين "36"}
(سورة يوسف)


والتجربة الثانية: هي مجيء واقع حركة الحياة بعد ذلك مطابقاً لتأويله للرؤيتين. ولذلك يقول له هنا:

{يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون "46"}
(سورة يوسف)


أي: أفتنا في رؤيا سبع بقرات سمان؛ يأكلهن سبع بقرات شديد الهزال، وسبع سنبلات خضر، وسبع آخر يابسات، لعلي ارجع إلى الناس لعلهم يعلمون. وقوله:

{أفتنا .. "46"}
(سورة يوسف)


يوضح أنه لا يسأل عن رؤيا تخصه؛ بل هي تخص رائياً لم يحدده، وإن كنا قد عرفنا أنها رؤيا الملك. وقوله:

{لعلي أرجع إلى الناس .. "46"}
(سورة يوسف)


هو تحرز واحتياط في قضية لا يجزم بها؛ وهو احتياط في واقع قدر الله مع الإنسان، والسائل قد أخذ أسلوب الاحتياط؛ ليخرجه من أن يكون كاذباً، فهو يعلم أن أمر عودته ليس في يده؛ ولذلك يعلمنا الله:

{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا "23" إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا "24"}
(سورة الكهف)


وساعة تقول: "إن شاء الله" تكون قد أخرجت نفسك من دائرة الكذب؛ ومادمت قد ذكرت الله فهو سبحانه قادر على أن يهديك إلى الاختيار المناسب في كل أمر تواجه فيه الاختيار.
فكأن الله يعلم عباده أن يحافظوا على أنفسهم، بأن يكونوا صادقين في أقوالهم وأفعالهم؛ لأنك مهما خططت فأنت تخطط بعقل موهوب لك من الله؛ وحين تقدم على أي فعل؛ فأي فعل مهما صغر يحتاج إلى عوامل متعددة وكثيرة، لا تملك منها شيئاً؛ لذلك فعليك أن ترد كل شيء إلى من يملكه.
وهنا قال الساقي:

{لعلي أرجع إلى الناس .. "46"}
(سورة يوسف)


وبذلك يعلمنا الحق سبحانه الاحتياط. وأضاف الحق سبحانه على لسان الرجل:

{لعلهم يعلمون "46"}
(سورة يوسف)


وكأن الرجل قد عرف أنه حين يأخذ التأويل من يوسف عليه السلام؛ ويعود به إلى الناس؛ فهو لا يعلم كيف يستقبلون هذا التأويل؟
أيستقبلونه بالقبول، أم بالمحاجة فيه؟ أو يستقبلون التأويل بتصديق، ويعلمون قدرك ومنزلتك يا يوسف؛ فيخلصوك مما أنت فيه من بلاء السجن.
وقوله تعالى:

{لعلي أرجع إلى الناس .. "46"}
(سورة يوسف)



 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:16 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا