المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 25-10-2011, 12:53 PM   #796
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 11

(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً"11")
يقال: ضرب الفسطاط على الأرض يعني الخيمة، أي: غطيت الأرض بها بعد أن كانت فضاءً، والضرب: أن تلمس شيئاً بشيء بشدة شريطة أن يكون المضروب به أقوى من المضروب، وإلا كان الضارب ضارباً لنفسه.
لذلك، فالشاعر عندما تكلم عن المعترضين على القدر قال:
أيا هازئاً من صنوف القدر بنفســك تعنــف لا بالقـــدر
ويا ضارباً صخرة بالعصا ضربت العصا أم ضربت الحجر؟
فمعنى:

{ضربنا على آذانهم .. "11"}
(سورة الكهف)


أي: غطيناها بغطاء محكم يحجبهم عن العالم الخارجي، والضرب على آذانهم هو الرحمة التي دعوا الله بها وطلبوها؛ لأن الإنسان الذي يحمل الفأس مثلاً ويعمل بها إن تعب وأجهده العمل يقف بعض الوقت ليستريح، فإن تعب من الوقوف قعد، فإن تعب من القعود استلقى واضطجع، فإن لم يسترح فلا يبقى إلا أن ينام، ففي النوم تهدأ الأعصاب، ويستريح الإنسان، حتى مع الآلام في أعنف الأمراض إذا نام المريض لا يشعر بشيء من الألم؛ لذلك اختار لهم ربهم هذا الوضع ليريحهم به طوال فترة مكثهم في الكهف.
فالحق سبحانه ـ إذن ـ هو الضارب، والمضروب هو الآذان، والضرب على الآذان هنا للرحمة لا للعذاب؛ لأن الله تعالى أراد لهم أقصى درجات الراحة والنوم الهادئ الذي لا يعكر صفوه شيء، والنوم هو الراحة التامة التي تطغى على الآلام العضوية في الذات الإنسانية.
وقد أختار الحق سبحانه الضرب على آذانهم؛ لأن حاسة السمع هي أول الحواس عملاً في الإنسان، وهي أول آلة إدراك تؤدي مهمتها في الطفل، كما قال الحق سبحانه وتعالى:

{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون "78"}
(سورة النحل)


هذه الحواس هي منافذ العلم والإدراك للإنسان، فلو وضعت أصبعك أمام عين الطفل المولود تراه لا يرمش؛ لأنه لا يرى إذا بعد ثلاثة إلى عشرة أيام، أما لو صرخت في أذنه فإنه ينتبه فحاسة السمع تؤدي مهمتها منذ ولادته. وكذلك فالأذن تمتاز أيضاً بأنها الإدراك الوحيد الذي لا يتعطل ولا يتوقف أثناء النوم لأن بها يتم الاستدعاء من النوم.
وهؤلاء الفتية دخلوا وأووا إلى الكهف، وهو فجوة في جبل في صحراء وهي عرضة للعواصف والرياح وأصوات الحيوانات وأشياء كثيرة يمكن أن تزعج النائم، فلو تركهم الخالق سبحانه في نومهم هذا على طبيعتهم لأزعجتهم هذه الأصوات وأقلقت راحتهم؛ لذلك عطل حاسة السمع عندهم، وبذلك استطاعوا أن يناموا كل هذه المدة.
ثم يقول تعالى:

{في الكهف سنين عدداً "11"}
(سورة الكهف)



 

قديم 25-10-2011, 12:53 PM   #797
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 12

(ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً "12")
(بعثناهم) أي: أيقظناهم من نومهم الطويل، وماداموا قد ناموا فالأمر إذن ليس موتاً إلا أنهم لما طالت مدة نومهم شبهها بالموت:

{لنعلم أي الحزبين .. "12"}
(سورة الكهف)


أي: الفريقين منهم؛ لأنهم سأل بعضهم بعضاً عن مدة لبثهم فقالوا: يوماً أو بعض يوم. أو: المراد الفريقان من الناس الذي اختلفوا في تحديد مدة نومهم:

{أحصى لما لبثوا أمداً "12"}
(سورة الكهف)


أي: لنرى أي الفريقين سيقدر مدتهم تقديراً صائباً. والأمد: هو المدة وعدد السنين.
والمتأمل في الآيات السابقة يجد فيها ملخصاً للقصة وموجزاً لها، وكأنها برقية سريعة بما حدث، فأهل الكهف فتية مؤمنون فروا بدينهم إلى كهف من الكهوف، وضرب الله على آذانهم فناموا مدة طويلة، ثم بعثهم الله ليعلم من يحصي مدة نومهم


 

قديم 25-10-2011, 12:53 PM   #798
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 13

(نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً "13")
(نحن) أي: الحق سبحانه وتعالى، فهو الذي يقص ما حدث بالحق، فلو أن القاص غير الله لتوقع منه الخطأ أو النسيان، أو ترك شيء من الأحداث لهوىً في نفسه، إنما إن جاءك القصص من الله فهو الحق، كما قال في آية أخرى:

{نحن نقص عليك أحسن القصص .. "3"}
(سورة يوسف)


إذن: هناك قصص ليس بالحسن، وهو القصص غير الدقيق.
فالقصص القرآني يضمن لك منتهى الدقة في عرض الأحداث، ويصور لك كل اللقطات، وكلمة قصة أو قصص تدل على دقة التتبع؛ لأنها من قص الأثر أي: تتبعه وكان لهذه المهمة رجال معروفون بقصاص الأثر، وهم الذين يتتبعون الواقع.
و(نبأهم) النبأ: هو الخبر العظيم. ثم يقول تبارك وتعالى:

{إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً .. "13"}
(سورة الكهف)


هذا هو تفصيل القصة بعد أن لخصها القرآن في المذكرة والبرقية السابقة، وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله: لقد ذكر ناس هذه القصة من قبل، لكنها قصت بغير حق، وغير فيها، لكن قصنا لها هو القصص الحق الذي لا كذب فيه.
فحقيقة هؤلاء أنهم فتية آمنوا بالله، وهذه قضيتهم التي ضحوا من أجلها، فلما آمنوا بالله تولاهم ونور بصائرهم وربط على قلوبهم، وزادهم إيماناً، كما قال في آية أخرى:

{والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم "17"}
(سورة محمد)


وما أشبه هذه المسألة بالمعلم الذي يلمح أمارات النجابة والذكاء على أحد تلاميذه، ويراه مجيباً حريصاً على العلم فيوليه اهتمامه ويمنحه المزيد من المعلومات.
ونلاحظ هنا أن هؤلاء المؤمنين الذين ضحوا بكل شيء وفروا بدينهم مازالوا في مرحلة الشباب، وهو مظنة الانشغال بالدنيا والحرص على متعها، أما هؤلاء فقد انشغلوا بدينهم منذ صغرهم ليكونوا قدوة ومثلاً للشباب المؤمن في كل زمان ومكان، فالفتاء في أهل الكهف: فتاء إيمان و فتاء عقيدة.


 

قديم 25-10-2011, 12:54 PM   #799
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 14

(وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططاً "14")
والربط يعني أن تربط على الشيء وتشد عليه لتحفظ ما فيه، كما تربط القربة حتى لا يسيل الماء، وتربط الدابة حتى لا تنفلت، وقد وردت مادة (ربط) في القرآن كثيراً، منها قوله تعالى في قصة أم موسى:

{وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها .. "10"}
(سورة القصص)


أي: ربط على ما في قلبها من الإيمان بالله الذي أوحى إليها أن تلقي بولدها في الماء، ولولا أن ربط الله على قلبها وثبتها لانطلقت خلف ولدها تصرخ وتنتحب وتلفت إليه الأنظار:

{كادت لتبدي به لولا .. "10"}
(سورة القصص)


أي: تكشف عن الخطة التي أمرها الله بها لنجاة موسى عليه السلام، وهكذا اطمأن قلب أم موسى، وأصبح فؤادها فارغاً ـ أي: من الانفعالات الضارة، ومعلوم أن القلب هو محل الانفعالات، بدليل ما يحدث فيه من اضطراب وزيادة ضربات وتدفق للدم عند الغضب مثلاً.
ولا يسمى القلب فؤاداً إلا إذا توقد بالمشاعر وتحرك بها، وربط الله على قلب أم موسى أحدث لها ضبطاً للشعور يحكم تصرفاتها فتأتي سليمة متمشية مع الخطة المرادة.
ومن هنا نأمر الغاضب الذي تغلي الدماء في عروقه بالهدوء وضبط النفس؛ لأن الهدوء سيعينه على الحق، ويلجم جماح غضبه الذي لا تحمد عقباه، ألا ترى التوجيه النبوي في حال الغضب؟ إنه ينصح بتغيير الوضع الذي أنت عليه؛ لأن هذه العملية تحدث لديك نزوعية، تصرف عنك الغضب.
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى:

{وأفئدتهم هواء "43"}
(سورة إبراهيم)


أي: فارغة خالية ليس فيها شيء؛ لأن الشيء إذا فرغته من محتواه امتلأ بالهواء. وهنا يقول الحق سبحانه في أهل الكهف:

{وربطنا على قلوبهم .. "14"}
(سورة الكهف)


لتظل بداخلها العقيدة والإيمان بالله لا تتزعزع ولا تخرجها الأحداث والشدائد، وهذا من زيادة الهدى الذي أخبرت به الآية السابقة. وقوله تعالى:

{إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض .. "14"}
(سورة الكهف)


قاموا: القيام هنا دليل على مواجهتهم للباطل ووقوفهم في وجهه، وأن الباطل أفزعهم فهبوا للتصدي له بقولهم:

{رب السماوات والأرض .. "14"}
(سورة الكهف)


ولابد أنهم سمعوا كلاماً يناقض قولهم، وتعرضوا في دعوتهم للحرب والاضطهاد، فالآية تعطي صورة لفريقين: فريق الكفر الذي ينكر وجود الله أو يشرك به، وفريق الإيمان الذي يعلنها مدوية:

{ربنا رب السماوات والأرض .. "14"}
(سورة الكهف)


وإن كان فريق الكفر يدعو إلى عبادة آلهة من دون الله فإن فريق الإيمان يقول:

{لن ندعو من دون إلهاً "14"}
(سورة الكهف)


فإن ادعينا إلهاً من دون الله

{لقد قلنا إذاً شططاً "14"}
(سورة الكهف)


 

قديم 25-10-2011, 12:54 PM   #800
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 15

(هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً "15")
وهنا يخبر أهل الكهف الفتية المؤمنون عن قومهم أنهم اتخذوا من دون الله آلهة متعددة، دون أن يكون لهم دليل أو حجة واضحة على صدق ما ذهبوا إليه من عبادة هذه الآلهة.

{فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً "15"}
(سورة الكهف)


فأفظع الظلم وأقبحه أن نفتري على الله الكذب، كما قال تعالى:

{إن الشرك لظلم عظيم "13"}
(سورة الكهف)


 

قديم 25-10-2011, 12:54 PM   #801
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 16

(وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً"16")
هذا حديث الفتية بعضهم إلى بعض: مادمنا اعتزلنا أهل الكفر، ونأينا عن طريقهم، وسلكنا مسلك الإيمان بالله الذي يسره الله لنا، فهيا بنا إلى الكهف نلجأ إليه ونحتمي فيه فراراً بديننا، ومخافة أن يفتننا القوم عن ديننا.
ويلفتنا هنا إلى فرار هؤلاء الفتية ليس إلى بلد آخر فيه متسع للحياة، بل إلى كهف ضيق في جبل في صحراء، وليس به مقوم من مقومات الحياة؛ لذلك ينبهنا الحق سبحانه: إياك أن تقول: إن الكهف ضيق، وكيف يعيشون فيه؟ لأنهم مهاجرون إلى الله لاجئون إليه متوكلون عليه.
لذلك قال بعدها:

{ينشر لكم .. "16"}
(سورة الكهف)


فالضيق يقابله البسط والسعة، لقد قالوا هذه الكلمة وهم واثقون في رحمة الله معتقدون أن الذي هاجروا إليه لن يسلمهم ولن يخذلهم، وسوف يوسع عليهم برحمته هذا الضيق، وقد وسعه الله عليهم فعلاً حين أنامهم، ألا ترى النائم يربع في الدنيا هنا وهناك ولا تحده حدود؟
ومن هذه السعة ما حدث في قصة نبي الله موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ حينما تبعه فرعون بجنود حتى قال أتباعه:

{إنا لمدركون "16"}
(سورة الشعراء)


فقد ضاق عليهم الخناق حيث البحر من أمامهم، والعدو من خلفهم، ولا مهرب لهم فيما يرون من واقع الأمر. فماذا قال موسى لقومه في هذا الموقف؟ قال بملء فيه قولة الواثق من نصر الله:

{ينشر لكم .. "62"}
(سورة الشعراء)


فجاءه التأييد من ربه في التو واللحظة، وفرج عنه وعن أصحابه ما يلاقون من ضيق المخرج، فأوحى الله إليه:

{اضرب بعصاك البحر .. "63"}
(سورة الشعراء)


كذلك هنا:

{ينشر لكم ربكم من رحمته .. "16"}
(سورة الكهف)


ثم يقول تعالى:

{ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً "16"}
(سورة الكهف)


 

قديم 25-10-2011, 12:54 PM   #802
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 17

(وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً "17")
بعد أن ضرب الله على آذانهم فعصمهم من الأصوات التي تزعجهم وتقلق نومهم عصمهم أيضاً من ضوء الشمس، وقد أثبتت الأبحاث خطر الأشعة خاصة على النائم، وأن للظلمة مهمة، فبها تهدأ الأعصاب وترتاح الأعضاء، والشمس خلق من خلق الله، لها مدار ثابت وقانون لا يتخلف، كما قال تعالى:

{كل في فلكٍ يسبحون "33"}
(سورة الأنبياء)


ولكن الخالق سبحانه وتعالى خرق لهم نظام الشمس حتى لا يزعجهم ضوؤها فجعلها (تزاور) أي: تميل عند طلوعها عن الكهف، ومنه الزور: أي الميل عن الحق، وازور عن الشيء أي: مال عنه، فكانت الشمس إذا طلعت تميل عن الكهف جهة اليمين.

{وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال .. "17"}
(سورة الكهف)


والقرض ـ كما هو معلوم ـ أن تعطي غيرك شيئاً يحتاج إليه، فكأن الشمس تقرضهم وتسلفهم، كونها لا تدخل عليهم عند غروبها، وهذا أمر ليس من حقهم، فكأنها تقرضهم إياه. ولاشك أن هذه العملية مظهر من مظاهر قدرة الله التي تصنع الشيء وضده.
ونلحظ أن الحق ـ سبحانه وتعالى ـ جعل الفعل للشمس في تزاور وتقرضهم، وكأنها تفعل ذلك من نفسها بعد أن ضبط الله تعالى حركتها على هذه الأفعال كما تضبط الآلة اليوم. وقوله:

{وهم في فجوةٍ منه .. "17"}
(سورة الكهف)


أي: في الكهف.

{ذلك من آيات الله .. "17"}
(سورة الكهف)


ومادامت هذه الأفعال للشمس آية من آيات الله، ومعجزة من معجزاته تعالى، فإياك أن تعترض: كيف تميل الشمس؟ وكيف تغير اتجاهها؟ لأن الخالق سبحانه خلق الخلق، وأعطى لكل مخلوق قانونه الذي يسير به، ومع ذلك لم يترك لكل مخلوق أن يفعل بقانونه ما يريد، بل له سبحانه وتعالى قيومية على القانون، تبطله إن شاء، وتحركه إن شاء.
ثم يقول تعالى:

{ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً "17"}
(سورة الكهف)


فقضية الهداية والإضلال قائمة من قديم، ولا تزال ذيول هذه المعركة موجودة إلى الآن، فهناك دائماً من يقول: إذا كان الله هو الهادي والمضل، فلماذا يعذبني إن ضللت؟
وشاع هذا السؤال وأخذه المستشرقون والفلاسفة، ويراد منه إيجاد مبرر للنفس العاصية غير الملتزمة، ونقول لكل مجادل: لماذا قصرت الاعتراض على مسألة الضر والعذاب إن ضللت؟ ولماذا لم تذكر الثواب إن أحسنت وآمنت؟ إن اقتصارك على الأولى دون الثانية دليل على أن الهداية التي جاءت لك هي مكسب تركته وأخذت المسألة التي فيها ضرر، ولا يقول ذلك إلا المسرفون على أنفسهم.
والهداية نوعان: هداية دلالة، وهي للجميع، للمؤمن والكافر؛ لأن الحق سبحانه لم يدل المؤمن فقط، بل يدل المؤمن والكافر على الإيمان به، فمن يقبل على الإيمان به، فإن الحق تبارك وتعالى يجد فيه أهلاً للمعونة، فيأخذ بيده ويعينه، ويجعل الإيمان خفيفاً على قلبه، ويعطي له طاقة لفعل الخير، ويشرح له صدره وييسر له أمره.
فمن شاء الحق سبحانه هدايته أعطاه الهداية، ومن شاء له الضلال زاده ضلالاً، وقد بين أن من شاء هدايته يهتدي، وهذه معونة من الله، والكافر لا يهتدي، وكذلك الظالم والفاسق، لأنه سبحانه قد ترك كل واحد منهم لاختياره، وهكذا يمنع الحق سبحانه عنهم هداية المعونة.


 

قديم 25-10-2011, 12:55 PM   #803
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 18

(وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعباً "18")
أي: لو أتيح لك النظر إليهم لخيل إليك أنهم أيقاظ غير نائمين ذلك لأن ربهم سبحانه حفظهم على حال اليقظة وعلى هيئتها، ثم أظهر فيهم آية أخرى من الإعجاز بأن يقلبهم في نومهم مرة ناحية اليمين، وأخرى ناحية الشمال، لتظل أجسامهم على حالها، ولا تأكلها الأرض.
ومعلوم أن الإنسان إذا قدر له أن ينام فترة طويلة على سرير المرض يصاب بمرض آخر يسمونه قرحة الفراش، نتيجة لنومه المستمر على جانب واحد ـ عافانا الله وإياكم ـ وقد جعل لهم هذا التقليب ذات اليمين وذات الشمال على هيئة الإيقاظ. وقوله:

{وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد .. "18"}
(سورة الكهف)


ويبدو أنهم كانوا من الرعاة، فتبعهم كلبهم وجلس ماداً ذراعيه بفناء الكهف أو على بابه

{لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً "18"}
(سورة الكهف)


فقد ألقى الله مهابتهم والخوف منهم في نفوس الناس، فإذا ما اطلع عليهم إنسان خاف وولى هارباً يملؤه الرعب؛ لأن هيئتهم توحي بذلك، حيث يتقلبون يميناً وشمالاً، ومع ذلك لا يصحو منهم أحد، ولا يقوم منهم أحد طوال هذه المدة.


 

قديم 25-10-2011, 12:55 PM   #804
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 19

(وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً "19")
قوله: (بعثناهم) أي: أيقظناهم من نومهم؛ لأن نومهم الطويل الذي استغرق ثلاثمائة سنة وتسعاً أشبه الموت، فقال (بعثناهم)، والبعث هنا لقضية خاصة بهم، وهي أن يسأل بعضهم بعضاً عن مدة لبثهم في الكهف، وقد انقسموا في سؤالهم هذا إلى فريقين الفريق الأول:

{قال قائل منهم كم لبثتم .. "19"}
(سورة الكهف)


فرد الفريق الآخر بما تقضيه طبيعة الإنسان في النوم العادي فقال:

{قالوا لبثنا يوماً أو بعض يومٍ .. "19"}
(سورة الكهف)


فالإنسان لا يستطيع تقدير مدة نومه بالضبط، لكن المعتاد في النوم أن يكون كذلك يوماً أو بعض يوم.
وقد أخذ العلماء من هذا القول أنهم حين تساءلوا هذا السؤال لم يجدوا في ذواتهم شيئاً يدل على مرور زمن طويل، حيث وجدوا أنفسهم على الحال التي ناموا عليها، فلم يتغير مثلاً حالهم من الشباب إلى الشيخوخة، ولم يتغير شعرهم مثلاً إلى البياض؛ لذلك قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولو وجدوا أنفسهم شيباً لقدروا الزمن المناسب لهذا الشيب.
وهذه وقفة المشدوه حين يسأل عن زمن لا يدري مدته، إنه طويل عند الله إنما قصير عنده، وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة:

{قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس .. "259"}
(سورة البقرة)


لقد حكم على مدة لبثه بيوم أو بعض يوم؛ لأنه وجد نفسه على الحال التي عهدها لم يتغير منه شيء، فكيف يتأتى الصدق من الحق سبحانه في قوله (مائة عام) والصدق في قول العزيز بيوم أو بعض يوم؟
لاشك أننا أمام آية من آيات الخالق سبحانه، ومعجزة من معجزاته لا يقدر عليها إلا المالك للزمان والمكان، القابض للزمان ليوم أو بعض يوم، الباسط له إلى مائة عام.
لذلك أظهر الخالق سبحانه في هذه المعجزة الدليل على صدق القولين: ففي طعام العزيز الذي ظل على حاله طازجاً لم يتغير دليل على يوم أو بعض يوم، وفي حماره الذي رآه عظاماً بالية دليل على المائة عام، فسبحان الذي يجمع الشيء وضده في آن واحد.
ثم يقول تعالى حكاية عنهم:

{قالوا ربكم أعلم بما لبثتم .. "19"}
(سورة الكهف)


وهو قول الجماعة الذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة، فقالوا لإخوانهم: دعونا من هذه القضية التي لا تفيد، واتركوا أمرها لله تعالى. ودائماً يأمرنا الحق سبحانه بأن ننقل الجدل من شيء لا ننتهي فيه إلى شيء، ونحوله للأمر المثمر النافع؛ لذلك قالوا:

{فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا "19"}
(سورة الكهف)


والورق يعني العملة من الفضة، فأرادوا أن يرسلوا أحدهم بما معهم من النقود ليشتري لهم من المدينة طعاماً؛ لأنهم بمجرد أن استيقظوا انتهت حالتهم الاستثنائية، وعادوا إلى طبيعتهم؛ لذلك طلبوا الطعام، لكن نلحظ هنا أن الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطعام، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أطيبه وأطهره، وأبعده عن الحرام.
وكذلك لم يفتهم أن يكونوا على حذر من قومهم، فمن سيذهب منهم إلى هذه المهمة عليه أن يدخل المدينة خلسة، وأن يتلطف في الأمر حتى لا يشعر به أحد من القوم، ذلك لأنهم استيقظوا على الحالة التي ناموا عليها، ومازالوا على حذر من قومهم يظنون أنهم يتتبعونهم ويبحثون عنهم، ويسعون للقضاء عليهم


 

قديم 25-10-2011, 12:55 PM   #805
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 20

(إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً "20")
وهذا احتياط منهم للدين، وحماية للعقيدة التي فروا بها. فإن يرجموكم فسينتصرون عليكم في الدنيا، إنما ستأخذون الآخرة، وإن ردوكم إلى دينهم، فلن تفلحوا في الدنيا ولا في الآخرة.


 

قديم 25-10-2011, 09:17 PM   #806
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 21

(وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً "21")
في قوله تعالى:

{وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها .. "21"}
(سورة الكهف)


يقيم من أهل الكهف دليلاً على قيام الساعة والبعث بعد الموت، فهاأنتم مازلتم على قيد الحياة وفي سعة الدنيا، ومع ذلك أنامكم الله هذه النومة الطويلة ثم بعثكم وقد عثر عليهم، ومازالت فيهم حياة. ثم يقول تعالى:

{إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم .. "21"}
(سورة الكهف)


حدث هذا التنازع من الجماعة الذين عثروا عليهم، ويبدو أنهم كانوا على مسحة من الدين، فأرادوا أن يحافظوا على هذه الآية الإلهية، ويصح أنهم بمجرد أن عثروا عليهم قضى أجلهم فماتوا.
وهذه مسألة يجب أن يؤرخ لها، وأن تخلد؛ لذلك جعلوها مثلاً شروداً للعالم كله لتعرف قصة هؤلاء الفتية الذين ضحوا في سبيل عقيدتهم وفروا بدينهم من سعة الحياة إلى ضيق الكهف؛ ليكونوا مثلاً لكل أهل العقيدة، ودليلاً على أن الله تعالى ينصر أهله ويدافع عنهم ويخلد ذكراهم إلى قيام الساعة.
لذلك قال بعضهم لبعض:

{ابنوا عليهم بنيانا .. "21"}
(سورة الكهف)


أي: مطلق البنيان، فعارضهم آخرون بأن البناء يجب أن يكون مسجداً:

{قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً "21"}
(سورة الكهف)



 

قديم 25-10-2011, 09:18 PM   #807
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 22

(سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحداً "22")
لقد اختلف القوم في عدد أهل الكهف، منهم من قال: ثلاثة رابعهم كلبهم. ومنهم من قال: خمسة سادسهم كلبهم، وعلق الحق سبحانه على هذا القول بأنه (رجماً بالغيب)؛ لأنه قول بلا علم، مما يدلنا على خطئه ومخالفته للواقع. ومنهم من قال: سبعة وثامنهم كلبهم، ولم يعلق القرآن على هذا الرأي مما يدل على أنه الأقرب للصواب.
ثم يأتي القول الفصل في هذه المسألة:

{قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل .. "22"}
(سورة الكهف)


فلم يبين لنا الحق سبحانه عددهم الحقيقي، وأمرنا أن نترك هذا لعلمه سبحانه، ولا نبحث في أمر لا طائل منه، ولا فائدة من ورائه، فالمهم أن يثبت أصل القصة وهو: الفتية الأشداء في دينهم والذين فروا به وضحوا في سبيله حتى لا يفتنهم أهل الكفر والطغيان، وقد لجأوا إلى الكهف ففعل الله بهم ما فعل، وجعلهم آية وعبرة ومثلاً وقدوة.
أما فرعيات القصة فهي أمور ثانوية لا تقدم ولا تؤخر؛ لذلك قال تعالى بعدها:

{فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً .. "22"}
(سورة الكهف)


أي: لا تجادل في أمرهم.
ثم يأتي فضول الناس ليسألوا عن زمن القصة ومكانها، وعن أشخاصها وعددهم وأسمائهم، حتى كلبهم تكلموا في اسمه. وهذه كلها أمور ثانوية لا تنفع في القصة ولا تضر، ويجب هنا أن نعلم أن القصص القرآني حين يبهم أبطاله يبهمهم لحكمة، فلو تأملت إبهام الأشخاص في قصة أهل الكهف لوجدته عين البيان لأصل القصة؛ لأن القرآن لو أخبرنا مثلاً عن مكان هؤلاء الفتية لقال البعض: إن هذا الحدث من الفتية خاص بهذا المكان؛ لأنه كان فيه قدر من حرية الرأي.
ولو حدد زمانهم لقال البعض: لقد حدث ما حدث منهم؛ لأن زمانهم كان من الممكن أن يتأتى فيه مثل هذا العمل، ولو حدد الأشخاص وعينهم لقالوا: هؤلاء أشخاص لا يتكررون مرة أخرى.
لذلك أبهمهم الله لتتحقق الفائدة المرجوة من القصة، أبهمهم زماناً، أبهمهم مكاناً، وأبهمهم عدداً، وأبهمهم أشخاصاً ليشيع خبرهم بهذا الوصف في الدنيا كلها لا يرتبط بزمان ولا مكان ولا أشخاص، فحمل راية الحق، والقيام به أمر واجب وشائع في الزمان والمكان والأشخاص، وهذا هو عين البيان للقصة، وهذا هو المغزى من هذه القصة.
وانظر إلى قوله تبارك وتعالى:

{قال رجل مؤمن من آل فرعون .. "28"}
(سورة غافر)


هكذا (رجل مؤمن) دون أن يذكر عنه شيئاً، فالمهم أن الرجولة في الإيمان، أياً كان هذا المؤمن في أي زمان، وفي أي مكان، وبأي اسم، وبأي صفة. كذلك في قوله تعالى:

{وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوطٍ .. "10"}
(سورة التحريم)


ولم يذكر عنهما شيئاً، ولم يشخصهما؛ لأن التشخيص هنا لا يفيد، فالمهم والمراد من الآية بيان أن الهداية بيد الله وحده، وأن النبي المرسل من الله لم يستطع هداية زوجته وأقرب الناس إليه، وأن للمرأة حرية عقيدة مطلقة. وكذلك في قوله:

{وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون .. "11"}
(سورة التحريم)


ولم يذكر لنا من هي، ولم يشخصها؛ لأن تعينها لا يقدم ولا يؤخر، المهم أن نعلم أن فرعون الذي ادعى الألوهية وبكل جبروته وسلطانه لم يستطع أن يحمل امرأته على الإيمان به.
إذن: العقيدة والإيمان أمر شخصي قلبي، لا يجبر عليه الإنسان، وهاهي امرأة فرعون تؤمن بالله وتقول:

{رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين "11"}
(سورة التحريم)


أما في قصة مريم، فيقول تعالى:

{ومريم أبنت عمران .. "12"}
(سورة التحريم)


فشخصها باسمها، بل واسم أبيها، لماذا؟ قالوا: لأن الحدث الذي ستتعرض له حدث فريد وشيء خاص بها لن يتكرر في غيرها؛ لذلك عينها الله وعرفها، أما الأمر العام الذي يتكرر، فمن الحكمة أن يظل مبهماً غير مرتبط بشخص أو زمان أو مكان، كما في قصة أهل الكهف، فقد أبهمها الحق سبحانه لتكون مثالاً وقدوة لكل مؤمن في كل زمان ومكان.


 

قديم 25-10-2011, 09:18 PM   #808
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 23

(ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً "23")
وتتجلى في هذه الآية رحمة الله بالمحبوب محمد صلى الله عليه وسلم فلم يرد سبحانه وتعالى أن يصدم رسوله بمسألة المخالفة هذه، بل أعطاه ما أراد، وأجابه إلى ما طلب من مسألة أهل الكهف، ثم في النهاية ذكره بهذه المخالفة في أسلوب وعظ رقيق:

{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا "23" إلا أن يشاء الله .. "24"}
(سورة الكهف)


وقد سبق أن ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم حينما سأله القوم عن هذه القصة قال: سأجيبكم غداً ولم يقل: إن شاء الله. فلم يعاجله الله تعالى بالعتاب، بل قضى له حاجته، ثم لفت نظره إلى أمر هذه المخالفة، وهذا من رحمة الله برسوله صلى الله عليه وسلم.
كما خاطبه بقوله:

{عفا الله عنك لم أذنت لهم .. "43"}
(سورة التوبة)


فقدم العفو أولاً وقرره؛ لأن هذه المسألة منتهية ومعلومة للرسول، ثم عاتبه بعد ذلك. كما لو طلب منك شخص عوناً أو مساعدة، وقد سبق أن أساء إليك، فمن اللباقة ألا تصدمه بأمر الإساءة، وتذكر به أولاً، ثم اقض له حاجته، ثم ذكره بما فعل.


 

قديم 25-10-2011, 09:18 PM   #809
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 24

(إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً "24")
أي: على فرض أنك نسيت المشيئة ساعة البدء في الفعل، فعليك أن تعيدها ثانية لتتدارك ما حدث منك من نسيان في بداية الأمر. وقوله تعالى:

{وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً .. "24"}
(سورة الكهف)


أي: يهديني ويعينني، فلا أنسى أبداً، وأن يجعل ذكره لازمة من لوازمي في كل عمل من أعمالي فلا أبدأ عملاً إلا بقوله: إن شاء الله.


 

قديم 25-10-2011, 09:18 PM   #810
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 25

(ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً"25")
وهذه الآية تعطينا لقطة من المذكرة التفصيلية التي أعطاها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف، وهي تحدد عدد السنين التي قضاها الفتية في كهفهم بأنها ثلاثمائة سنة، وهذا هو عددها الفعلي بحساب الشمس.
لذلك؛ فالحق سبحانه لم يقل ثلاثمائة وتسعاً، بل قال:

{وازدادوا تسعاً "25"}
(سورة الكهف)


ولما سمع أهل الكتاب هذا القول اعترضوا وقالوا: نعرف ثلاثمائة سنة، ولكن لا نعرف التسعة؛ ذلك لأن حسابهم لهذه المدة كان حساباً شمسياً.
ومعلوم أن الخالق سبحانه حينما خلق السماوات والأرض قسم الزمن تقسيماً فلكياً، فجل الشمس عنواناً لليوم، نعرفه بشروقها وغروبها، ولما كانت الشمس لا تدلنا على بداية الشهر جعل الخالق سبحانه الشهر مرتبطاً بالقمر الذي يظهر هلالاً في أول كل شهر، وقد قال تعالى:

{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض .. "36"}
(سورة التوبة)


فلو حسبت الثلاثمائة سنة هذه بالحساب القمري لوجدتها ثلاثمائة سنة وتسعاً، إذن: هي في حسابكم الشمسي ثلاثمائة سنة، وفي حسابنا القمري ثلاثمائة وتسعاً. ونعرف أن السنة الميلادية تزيد عن الهجرية بأحد عشر يوماً تقريباً في كل عام.
ومن حكمة الخالق سبحانه أن ترتبط التوقيتات في الإسلام بالأهلة، ولك أن تتصور لو ارتبط الحج مثلاً بشهر واحد من التوقيت الشمسي في طقس واحد لا يتغير، فإن جاء الحج في الشتاء يظل هكذا في كل عام، وكم في هذا من مشقة على من لا يناسبهم الحج في فصل الشتاء. والأمر كذلك في الصيام.
أما في التوقيت القمري فإن هذه العبادات تدور بمدار العام، فتأتي هذه العبادات مرة في الصيف، ومرة في الخريف، ومرة في الشتاء، ومرة في الربيع، فيؤدي كل إنسان هذه العبادة في الوقت الذي يناسبه؛ لذلك قالوا: يا زمن وفيك كل الزمن.
والمتأمل في ارتباط شعائر الإسلام بالدورة الفلكية يجد كثيراً من الآيات والعجائب، فلو تتبعت مثلاً الأذان للصلاة في ظل هذه الدورة لوجدت أن كلمة "الله اكبر" نداء دائم لا ينقطع في ليل أو نهار من ملك الله تعالى، وفي الوقت الذي تنادي فيه "الله اكبر" ينادي آخر "أشهد ألا إله إلا الله" وينادي آخر "أشهد أن محمداً رسول الله" وهكذا دواليك في منظومة لا تتوقف.
وكذلك في الصلاة، ففي الوقت الذي تصلي أنت الظهر، هناك آخرون يصلون العصر، وآخرون يصلون المغرب، وآخرون يصلون العشاء، فلا يخلو كون الله في لحظة من اللحظات من قائم أو راكع أو ساجد. إذن: فلفظ الأذان وأفعال الصلاة شائعة في كل أوقات الزمن، وبكل ألوان العبادة.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:19 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا