المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 03-10-2011, 10:10 AM   #76
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 76

(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلي بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون "76")
هذه صور من صور نفاق اليهود. والناس مقسمون إلي ثلاث: مؤمنون وكافرون ومنافقون .. المؤمن انسجم مع نفسه ومع الكون الذي يعيش فيه .. والكافر انسجم مع نفسه ولم ينسجم مع الكون، والكون يلعنه .. والمنافق لا انسجم مع نفسه ولا انسجم مع الكون، والآية تعطينا صورة من صور النفاق وكيف لا ينسجم المنافق مع نفسه ولا مع الكون .. فهو يقول ما لا يؤمن به .. وفي داخل نفسه يؤمن بما لا يقول. والكون كله يلعنه، وفي الآخرة هو في الدرك الأسفل من النار. وهذه الآية تتشابه مع آية تحدثنا عنها في أول هذه السورة .. وهي قوله تعالى:

{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون "14" }
(سورة البقرة )


في الآية الأولى كان الدور لليهود، وكان هناك منافقون من غير اليهود وشياطينهم من اليهود .. وهنا الدور من اليهود والمنافقين من اليهود. الحق سبحانه وتعالى يقول: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" وهل الإيمان كلام؟ .. الإيمان يقين في القلب وليس كلاما باللسان .. والاستدلال على الإيمان بالسلوك فلا يوجد إنسان يسلك سبيل المؤمنين نفاقا أو رياء .. يقول آمنت نفاقا ولكن سلوكه لا يكون سلوك المؤمن .. ولذلك كان سلوكهم هو الذي يفضحهم. يقول تعالى: وإذا خلا بعضهم إلي بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" .. وفي سورة أخرى يقول الحق:

{وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضواً عليكم الأنامل من الغيظ }
(من الآية 119 سورة آل عمران)


وفي سورة المائدة يقول سبحانه:

{وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به }
(من الآية 61 سورة المائدة)


هنا أربع صور من صور المنافقين .. كلها فيها التظاهر بإيمان كاذب .. في الآية الأولى "وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم" وفي الآية الثانية: "إذا خلا بعضهم إلي بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" . وفي الآية الثالثة: "عضوا عليكم الأنامل من الغيظ". وفي الآية الرابعة: "وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به". إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما بعث كان اليهود يقولون للمؤمنين هذا هو نبيكم موجود عندنا في التوراة أوصافه كذا .. حينئذ كان أحبار اليهود ينهونهم عن ذلك ويقولون لهم: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" فكأنهم علموا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم أرادوا أن يخفوها .. إن الغريب أنهم يقولون: "بما فتح الله عليكم". وإذا كان هذا فتحا من الله فلا فضل لهم فيه .. ولو أراد الله لهم الفتح لآمنت القلوب..
قوله تعالى: "ليحاجوكم به عند ربكم" يدل على أن اليهود المنافقين والكفار وكل خلق الأرض يعلمون أنهم من خلق الله، وأن الله هو الذي خلقهم .. وماداموا يعلمون ذلك فلماذا يكفرون بخالقهم؟ "ليحاجوكم به" أي لتكون حجتهم عليكم قوية عند الله .. ولكنهم لم يقولوا عند الله بل قالوا "عند ربكم والمحاجة معناها أن يلتقي فريقان لكل منهما وجهة نظر مختلفة. وتقام بينهما مناظرة يدلي فيها كل فريق بحجته. واقرأ قوله تعالى:

{ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك}
(من الآية 258 سورة البقرة)


هذه هي المناظرة التي حدثت بين إبراهيم عليه السلام والنمرود الذي آتاه الله الملك .. ماذا قال إبراهيم؟

{إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيى ويميت }
(من الآية 258 سورة البقرة)


هذه كانت حجة إبراهيم في الدعوة إلي الله، فرد عليه النمرود بحجة مزيفة. قال أنا أحيي وأميت .. ثم جاء بواحد من جنوده وقال لحراسه اقتلوه .. فلما اتجهوا إليه قال اتركوه .. ثم التفت إلي إبراهيم:

{قال أنا أحيي وأميت }
(من الآية 258 سورة البقرة)


جدل عقيم لأن هذا الذي أمر النمرود بقتله. كان حيا وحياته من الله .. والنمرود حين قال اقتلوه لم يمته ولكن أمر بقتله .. وفرق بين الموت والقتل .. القتل أن تهدم بنية الجسد فتخرج الروح منه لأنه لا يصلح لإقامتها .. والموت أن تخرج الروح من الجسد والبنية سليمة لم تهدم .. الذي يميت هو الله وحده، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم }
(من الآية 144 سورة آل عمران)


والنمرود لو قتل هذا الرجل ما كان يستطيع أن يعيده إلي الحياة .. ولكن إبراهيم عليه السلام .. لم يكن يريد أن يدخل في مثل هذا الجدل العقيم .. الذي فيه مقارعة الحجة. بالحجة يمكن فيه الجدال ولو زيفا .. ولذلك جاء بالحجة البالغة التي لا يستطيع النمرود أن يجادل فيها:

{قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين }
(من الآية 258 سورة البقرة)


هذا هو معنى الحاجة .. كل طرف يأتي بحجته، وما داموا يحاجونكم عند ربكم وهم يعتقدون أن القضية لن تمر أمام الله بسلام لأنه رب الجميع وسينصف المظلوم من الظالم .. إذا كانت هذه هي الحقيقة فهل أنتم تعملون لمصلحة أنفسكم؟ الجواب لا .. لو كنتم تعلمون الصواب ما كنتم وقعتم في هذا الخطأ فهذا ليس فتحا .. وقوله تعالى: "أفلا تعقلون" ختام منطقي للآية .. لأن من يتصرف تصرفهم ويقول كلامهم لا يكون عنده عقل .. الذي يقول "ليحاجوكم عند ربكم" يكون مؤمنا بأن له ربا، ثم لا يؤمن بهذا الإله ولا يخافه لا يمكن أن يتصف بالعقل.


 

قديم 03-10-2011, 10:24 AM   #77
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 77

(أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون "77")
يبين الله لنا بأنه يعلم أمرهم وما يفعلون. لقد ظنوا أن الله غافل عندما خلا بعضهم إلي بعض وقالوا: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" .. الله علم وسمع .. وعندما يلاقي المنافقون المؤمنين ويقولون آمنا .. "وإذا خلو عضوا عليكم الأنامل مع الغيظ" هذا انفعال حركي ليس فيه كلام يقال ولكن فيه واقع يرى .. ومع ذلك فهو ليس سرا.
ما هو السر وما هو العلن؟ .. الأمر المعلن هو الذي يخرج منك إلي من عنده آله السماع ليسمعك .. والأمر المعلن يخرج منك إلي من عنده آله الرؤية ليراك .. فإن كان حركة بلا صوت فهذا عدته العين .. وأن كان بصوت فعدته الآذان .. هذه وسائل الإدراك الأصلية .. وقوله تعالى "يعلم ما يسرون وما يعلنون" ألم يكن أولى أن يقول سبحانه يعلم ما يعلنون وما يسرون .. وإذا كان يعلم ما نسر أفلا يعلم ما نعلن؟ .. لاشك أنه يعلم .. ولكنها دقة في البلاغة القرآنية؛ ذلك أن المتكلم هو الله سبحانه.
ونحن نعلم أن الله غيب .. وغيب يعني مستور عن حواسنا .. ومادام الله غيباً فهو يعلم الغيب المستور .. ربما كان العلن الظاهر له قوانين أخرى .. فمثلا إذا كان هناك شخص في المنزل، ثم يقول "أنا اعلم ما في المنزل وما هو خارج المنزل .. لو قال أنا اعلم ما في المنزل لقلنا له أنت داخله فلا غرابة في ذلك .. ولكنك مستور عما في الخارج فكيف تعلمه؟ ومادام الله غيباً فقوله ما يسرون أقرب لغيبه. وما يعلنون هي التي تحتاج وقفة. لا تظنوا أن الله تبارك وتعالى لأنه غيب لا يعلم إلا ما هو مستور وخفي فقط .. لا .. إنه يعلم المشهود والغائب .. إذن فالمناسب لأن الله غيب عن أبصارنا وكوننا لا ندركه أن يقول ما يسرون أولا..
ما معنى ما يسرون؟ .. السر هو ما لم تهمس به إلي غيرك .. لأن همسك للغير بالشيء لم يعد سرا .. ولكن السر هو ما تسره في نفسك ولا تهمس به لأحد من الناس .. وإذا كان السر هو ما تسره في نفسك، فالعلن هو ما تجاهر به. ويكون علنا مادام قد علمه اثنان .. والعلن عند الناس واضح والسر عندهم خفي .. والله سبحانه وتعالى حين يخبرنا أنه غيب .. فليس معنى ذلك أنه لا يعلم إلا غيباً. إنه يعلم السر والعلن .. والله جل جلاله يقول في القرآن الكريم:

{يعلم السر وأخفى }
(من الآية 7 سورة طه)


فإذا كان السر هو ما تخفيه في نفسك وله واقع داخلك .. "ما هو أخفى" هو أن الله يعلم أنك ستفعله قبل أن تفعله. ويعلم أنه سيحدث منك قبل أن يحدث منك.


 

قديم 03-10-2011, 10:24 AM   #78
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 78

( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون"78")
الله سبحانه وتعالى لازال يتحدث عن أهل الكتاب .. فبعد أن بين لنا الذين يقول: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" .. انتقل سبحانه وتعالى إلي طائفة أخرى وهم من أسماهم بالأميين .. وأصح قول في الأمي هو أنه كما ولدته أمه. أي لم يعلم شيئاً من ثقافة وعلم في الوجود منذ لحظة نزوله من بطن أمه. ولذلك فإن الأمي على إطلاقه هو الذي لا يكتسب شيئاً من ثقافة الوجود حوله، بصرف النظر عن أن يقال كما ولدته أمه .. لأن الشائع في المجتمعات أن الذي يعلم هم الخاصة لا العامة .. وعلى أية حال فالمعاني كلها ملتقية في تعريف الأمي.
قوله تعالى: "ومنهم أميون" .. تلاحظ أن هناك معسكرات من الأميين واجهت الدعوة الإسلامية .. فالمعسكر الأول كان المشركون في مكة، والمعسكر الثاني كان أهل الكتاب في المدينة. وأهل الكتاب تطلق على أتباع موسى وأتباع المسيح .. ولكن في الجزيرة العربية كان هناك عدد لا يذكر من النصارى .. وكان هناك مجتمع. والمقصود من قوله تعالى: "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني" هم اليهود الذين كان لهم مجتمع في المدينة .. ومادام الحق سبحانه وتعالى قال: "ومنهم أميون" .. معنى هذا أنه لابد أن يكون هناك منهم غير أميين .. وهؤلاء هم الذين سيأتي قول الله تعالى عنهم في الآية التالية:

{فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم }
(من الآية 79 سورة البقرة)


هنا قسم الله تبارك وتعالى اليهود إلي أقسام .. منهم قسم أمي لا يعرفون الكتاب وما يقوله لهم أحبارهم هو الذي يعرفونه فقط .. وهؤلاء ربما لو كانوا يعلمون ما في التوراة .. من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم لآمنوا به .. والكتاب هنا يقصد به التوراة .. والله سبحانه وتعالى لم ينف عنهم مطلق العلم .. ولكنه نفى خصوصية العلم، لأنه قال لا يعلمون إلا أماني .. فكأن الأماني يعلمونها من الكتاب. ولكن ما الأماني؟ .. إنها تطلق مرة بدون تشديد الياء ومرة بتشديد الياء .. فإن كانت التخفيف تكون جمع أمنية .. وإن كانت بالتشديد تكون جمع أمنية بالتشديد على الياء .. الأمنية تجدها في القرآن الكريم في قوله تعالى:

{ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به }
(من الآية 123 سورة النساء)


هذه بالنسبة للجمع. أما بالنسبة للمفردة .. في قوله تعالى:

{وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍ إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته }
(من الآية 52 سورة الحج)


ما هي الأمنية؟ .. الأمنية هي الشيء الذي يحب الإنسان أن يحدث ولكن حدوثه مستحيل .. إذن لن يحدث ولن يكون له وجود .. ولذلك قالوا إن من معاني التمني اختلاق الأشياء .. الشاعر الذي قال:
ألا ليـت الشـباب يـعـود يـومـاً
فأخـبره بـمـأ فـعـل المشـيـب
هل الشباب يمكن أن يعود؟ .. طبعاً مستحيل .. هذا شيء لن يحدث .. والشاعر الذي قال:
ليـت الكـواكب تـدنو لي فأنظمـها
عقـود مـدحٍ فـما أرضي لـكم كـلم
هل النجوم ستنزل من السماء وتأتي إلي هذا الشاعر .. ينظمها أبيات شعر إلي حبيبته .. إذن من معاني التمني الكذب والاختلاق. ولقد فسر بعض المستشرقين قول الله تبارك وتعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى (أي قرأ): "ألقى الشيطان في أمنيته" (أي في قراءته) .. وطبعا الشيطان لن يلقي في قراءة الرسول إلا كذبا وافتراء وكفرا .. اقرأ قوله سبحانه:

{أفرأيتم اللات والعزى "19" ومناة الثالثة الأخرى "20" ألكم الذكر وله الأنثى "21" تلك إذا قسمة ضيزى }
(سورة النجم)


قال أعداء الإسلام مادام قد ذكر في القرآن أسماء الغرانيق .. وهي الأصنام التي كان يعبدها الكفار .. ومنها اللات والعزى قال أعداء الإسلام مادام قد ذكر في القرآن الغرانيق .. وهي الأصنام التي كان يعبدها الكفار .. ومنها اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى .. إذن فشفاعة هذه الأصنام ترتجي في الآخرة .. وهذا كلام لا ينسجم مع منطق الدين كله يدعو لعبادة الله وحده .. وخرج المستشرقون من ذلك بأن الدين فعلا يدعو لعبادة الله وحده .. إذن فيكون الشيطان قد ألقى في أمنيته فيما يقوله رسول الله .. ثم أحكم الله سبحانه آياته فقال تعالى:

{إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}
(من الآية 23 سورة النجم)


 

قديم 03-10-2011, 10:25 AM   #79
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 79

(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "79")
هذه الآية الكريمة جاءت في القسم الثاني من اليهود وهو المقابل للأميين .. وهم إما أميون لا يعلمون الكتاب .. وإما يعلمون ولكنهم يغيرون فيه ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله. ولذلك توعدهم الله تبارك وتعالى فقال: ويل لهم، وبدأ الآية بالوعيد بالجزاء مباشرة. نلاحظ أن كلمة ويل في اللغة تستعمل معها كلمتي ويح وويس .. وكلها تعني الهلاك والعذاب .. وتستعمل للتحسر على غفلة الإنسان عن العذاب .. واقرأ قوله تعالى:

{يا وليتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها }
(من الآية 49 سورة الكهف)


وقوله جل جلاله:

{يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا}
(من الآية 97 سورة الأنبياء)


هذه الويلات تعني الحسرة وقت رؤية العذاب .. وقيل إن الويل وادٍ في جهنم يهوي الإنسان فيه أربعين خريفا والعياذ بالله .. والحق تبارك وتعالى ينذر الذين يكتبون الكتاب بأيديهم أن عذابهم يوم القيامة سيكون مضاعفا .. لأن كل من ارتكب إثما نتيجة لتزييفهم للكتاب سيكونون شركاء وسيحملون عذابهم معهم يوم القيامة، وسيكون عذابهم مضاعفا أضعافا كثيرة. يقول الحق سبحانه وتعالى: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" .. ألم يكن يكفي أن يقول الحق فويل للذين يكتبون الكتاب ويكون المعنى مفهوما .. يكتبون الكتاب بماذا؟ بأيديهم .. نقول لا .. لأن الفعل قد يتم بالأمر وقد يتم بالفعل .. رئيس الدولة مثلا يتصل بأحد وزرائه ويقول له ألم أكتب إليك كتابا بكذا فلماذا لم تنفذه؟ هو لم يكتب هذا الكتاب بيده ولكنهم كتبوه بأمره، ورؤساء الدولة نادرا ما يكتبون كتبا بأيديهم.
إن الله سبحانه وتعالى يريد هنا أن يبين لنا مدى تعمد هؤلاء للإثم .. فهم لا يكتفون مثلا بأن يقولوا لغيرهم اكتبوا .. ولكن لاهتمامهم بتزييف كلام الله سبحانه وتزويره يقومون بذلك بأيديهم ليتأكدوا بأن الأمر قد تم كما يريدون تماما .. فليس المسألة نزوة عابرة .. ولكنها مع سبق الإصرار والترصد .. وهم يريدون بذلك أن يشتروا ثمنا قليلا، هو المال أو ما يسمى بالسلطة الزمنية .. يحكمون ويكون لهم نفوذ وسلطان. ولقد كان أهل الكتاب في الماضي إذا اختلفوا في شيء .. ذهبوا إلي الكهان والرهبان وغيرهم ليقضوا بينهم .. لماذا؟ لأن الناس حين يختلفون يريدون أن يستتروا وراء ما يحفظ كبرياءهم إن كانوا مخطئين .. يعني لا أنهزم أمامه ولا ينهزم أمامي .. وإنما يقولون ارتضينا حكم فلان .. فإذا كنا سنلجأ إلي تشريع السماء ليحكم بيننا .. لا يكون هناك غالب ومغلوب أو منهزم ومنتصر .. ذلك حين أخضع أنا وأنت لحكم الله يكون كل منا راضيا بنتيجة هذا الحكم.
ولكن رجال الدين اليهودي والمسيحي أخذوا يصدرون فتاوى متناقضة .. كل منهم حسب مصلحته وهواه .. ولذلك تضاربت الأحكام في القضايا المتشابهة .. لأنه لم يعد الحكم بالعدل .. بل أصبح الحكم خاضعا لأهواء ومصالح وقضايا البشر .. وحين يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله .. إنما يريدون أن يخلعوا على المكتوب قداسة تجعل الإنسان يأخذه بلا مناقشة .. وبذلك يكونون هم المشرعين باسم الله، ويكتبون ما يريدون ويسجلونه كتابه، وحين أحس أهل الكتاب بتضارب حكم الدين بما أضافه الرهبان والأحبار، بدأوا يطلبون تحرير الحكم من سلطة الكنيسة.
ولكن لماذا يكتب هؤلاء الناس الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله؟! .. الحق سبحانه وتعالى يقول: "ليشتروا به ثمنا قليلا" .. وقد قلنا إن الإنسان لا يشتري الثمن .. ولكن يدفع الثمن ويشتري السلعة .. ولكنك هنا تدفع لتأخذ ثمنا .. تدفع من منهج الله وحكم الله فتغيره وتبدله لتأخذ ثمنا موقوتا .. والله سبحانه وتعالى يعطيك في الآخرة ولكنك تبيعه بالقليل وكل ثمن مهما بلغ تأخذه مقابل منهج الله يعتبر ثمنا قليلا. والحق سبحانه وتعالى: "فويل لهم مما كتبت أيديهم" .. الآية الكريمة بدأت بقوله تعالى: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" .. ثم جاء قوله تعالى: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" .. فساعة الكتابة لها ويل وعذاب .. وساعة بيع الصفقة لها ويل وعذاب .. والذي يكسبونه هو ويل وعذاب.
لقد انتشرت هذه المسألة في كتابة صكوك الغفران التي كانت تباع في الكنائس لمن يدفع اكثر. والحق سبحانه وتعالى يقول: "وويل لهم ما مما يكسبون" .. وكلمة كسب تدل على عمل من أعمال جوارحك يجلب لك خيرا أو نفعا وهناك كسب وهناك اكتسب .. كسب تأتي بالشيء النافع، واكتسب تأتي بالشيء الضار .. ولكن في هذه الآية الكريمة الحق سبحانه وتعالى قال: "وويل لهم مما يكسبون" .. وفي آية ثانية قال: "بلى من كسب سيئة". فلماذا تم هذا الاستخدام؟ نقول إن هذا ليس كسبا طبيعيا، إنما هو افتعال في الكسب .. أي اكتساب .. ولابد أن نفهم إنه بالنسبة لجوارح الإنسان .. فإن هناك القول والفعل والعمل .. بعض الناس يعتقد إن هناك القول والعمل .. نقول لا .. هناك قول هو عمل اللسان .. وفعل هو عمل الجوارح الأخرى غير اللسان .. وعمل وهو أن يوافق القول الفعل .. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يقول:

{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون"2"كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "3"}
(من الآية 164 سورة الأنعام)


إذن هناك قول وفعل وعمل .. والإنسان إذا استخدم جوارحه استخداما سليما بفعل ما هو صالح له .. فإذا انتقل إلي ما هو صالح إلي ما يغضب الله فإن جوارحه لا تفعل ولكنها تفتعل .. تتصادم ملكاتها بعضها مع بعض والإنسان وهو يفتح الخزانة ليأخذ من ماله يكون مطمئنا لا يخاف شيئا والإنسان حين يفتح خزانة غيره يكون مضطربا وتصرفاته كلها افتعال .. والإنسان مع زوجته منسجم في هيئة طبيعية، بعكس ما يكون في وضع مخالف .. إنها حالة افتعال .. وكل من يكسب شيئا حراما افتعله .. ولذلك يقال عنه اكتسب .. إلا إذا تمرس وأصبح الحرام لا يهزه، أو ممن نقول عنهم معتادو الإجرام .. في هذه الحالة يفعل الشيء بلا افتعال لأنه اعتاد عليه .. هؤلاء الذين وصلوا إلي الحد الذي يكتبون فيه بأيديهم ويقولون من عند الله .. أصبح الإثم لا يهزهم، ولذلك توعدهم الله بالعذاب مرتين في آية واحدة.


 

قديم 03-10-2011, 10:25 AM   #80
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 80

(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "80")
هنا يكشف الله سبحانه وتعالى فكر هؤلاء الناس .. لقد زين لهم الشيطان الباطل فجعلهم يعتقدون أنهم كسبوا فعلا وأنهم أخذوا المال والجاه الدنيوي وفازوا به .. لأنهم لن يعذبوا في الآخرة إلا عذابا خفيفا قصيرا .. ولذلك يفضح الله تبارك وتعالى ما يقولونه بعضهم مع بعض .. ماذا قالوا؟: "قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة". المس يعني اللمس الخفيف أو اقتراب شيء من شيء .. ولكن لا يحس أحدهما بالآخر إلا إحساسا خفيفا لا يكاد يذكر .. فإذا أتيت إلي إنسان ووضعت أنا ملك على يده يقال مسست .. ولكنك لم تستطع بهذا المس أن تحس بحرارة يده أو نعومة جلده .. ولكن اللمس يعطيك إحساسا بما تلمس: "قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" وهكذا أخذوا أقل الأقل في العذاب .. ثم أقل الأقل في الزمن فقالوا أياما معدودة .. الشيء إذا قيل عن معدودة فهو قليل .. أما الشيء الذي لا يحصى فهو الكثير .. ولذلك حين يتحدث الله عن نعمه يقول سبحانه:

{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}
(من الآية 18 سورة النحل)


فمجرد الإقبال على العد معناه أن الشيء يمكن إحصاءه .. فإن لم يكن ممكنا لا يقبل أحد على عده، ولا نرى من حاول عد حبات الرمل أو ذرات الماء في البحار .. نعم الله سبحانه وتعالى ظاهرة وخفية لا يمكن أن تحصى، ولذلك لا يقبل أحد على إحصائها .. وإذا سمعت كلمة "أياما معدودة" فأعلم أنها أيام قليلة .. ولذلك نرى في سورة يوسف قول الحق جل جلاله:

{وشروه بثمن بخس دراهم معدودةٍ}
(من الآية 20 سورة يوسف)


قولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة .. دليل على غبائهم لأن مدة المس لا تكون إلا لحظة .. ولكنها أماني وضعها الشيطان في عقولهم ليأتي الرد من الله في قوله سبحانه: "قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده" أي إذا كان ذلك وعداً من الله، فالله لا يخلف وعده. والله يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم لستم أنتم الذين تحكمون وتقررون ماذا سيفعل الله سبحانه وتعالى بكم .. بل هو جل جلاله الذي يحكم .. فإن كان قد أعطاكم عهدا فالله لا يخلف وعده.
وقوله تعالى: "أم تقولون على الله ما لا تعلمون" .. هنا أدب النبوة والخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. فبدلا من أن يقول لهم أتفترون على الله أو أتكذبون على الله .. أو أتختلقون على الله ما لم يقله .. قال: "أم تقولون على الله ما لا تعلمون" إن الذي يختلق الكلام يعلم أنه مختلق .. إنه أول من يعلم كذب ما يقول، وقد يكون له حجة ويقنع من أمامه فيصدقه، ولكنه يظل يعلم إن ما قاله مختلق رغم أنهم صدقوه ..

<ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها">

إذن مختلق الشيء يعرف إن هذا الشيء مختلق. وهؤلاء اليهود هم أول من يعلم إن قولهم .. "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" قول مختلق .. ولكن لمن يقولون على الله ما هو افتراء وكذب؟ يقولون للأميين الذين لا يعرفون الكتاب.


 

قديم 03-10-2011, 01:03 PM   #81
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 81

(بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "81")
أراد الله سبحانه وتعالى أن يوضح كذبهم .. فجاء القرآن قائلا: "بلى" وهي حرف جواب مثل نعم تماما .. ولكن "بلى" حرف جواب في النفي .. يعني ينفي الذي قبله .. هم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ورسول الله سألهم هل اتخذوا عند الله عهدا أو يقولون على الله ما لا يعلمون، فجاء القرآن ليقول: "بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" .. بداية الجواب ببلى تنفي ما قالوا .. لأن بلى تأتي بعد النفي .. ونعم تأتي بعد الإجابة .. فإذا قال إنسان ليس لك عندي شيء وقلت نعم، فمعناها أنه صحيح أنك ليس لك عندي شيء .. أما إذا قلت بلى، فمعنى ذلك أن لك عندي شيئا أو أشياء .. ولذلك بعد قولهم "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" .. لو جاء بعدها نعم، لكان قولهم صحيحا، ولكن بلى نفت وجاء الكلام بعدها مؤكدا النفسي:
"من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" هم قالوا لن تمسنا النار .. قال لن تمسكم فقط بل أنتم فيها خالدون .. وقوله تعالى: "أصحاب النار" .. الصحبة تقتضي نوعا من الملازمة فيها تجاذب المتصاحبين .. ومعنى ذلك أنه سيكون هناك تجاذب بينهم وبين النار .. هنا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال: "بلى كسب سيئة" .. وكان السياق يقتضي أن يقال اكتسب .. ولكن لأنهم ظنوا أنهم كسبوا .. كما بينا في الآية السابقة .. وقوله تعالى: "وأحاطت به خطيئته" .. إحاطة بحيث لا يوجد منفذ للإفلات من الخطيئة لأنها محيطة به. وأنسب تفسير لقوله تعالى: "كسب سيئة وأحاطت به خطيئته" .. أن المراد الشرك .. لأن الشرك هو الذي يحيط بالإنسان ولا مغفرة فيه .. والله تعالى يقول:

{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
(من الآية 48 سورة النساء)


ولذلك فهؤلاء لم يكونوا عصاة فقط .. ولكنهم كانوا كافرين مشركين. والدليل قوله تعالى: "هم فيها خالدون" .. وأصحاب الصغائر أو الكبائر الذين يتوبون منها لا يخلدون في النار .. ولكن المشرك بالله والكافر به هم الخالدون في النار .. وكل من لم يؤمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كافر لأن الله سبحانه وتعالى قال:

{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل وهو في الآخرة من الخاسرين"85"}
(سورة آل عمران)


ولذلك قلت هناك فرق بين .. الإنسان الذي يرتكب معصية لأنه لا يقدر على نفسه فيندم ويتوب .. وبين إنسان يفرح بالمعصية .. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريبٍ}
(من الآية 17 سورة النساء)


وهناك من يندم على المعصية وهذا له توبة .. وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية.


 

قديم 03-10-2011, 01:03 PM   #82
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 82

(والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "82")
عندما يذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم .. العذاب والنار، يأتي بالمقابل وهو النعيم والجنة .. وذلك أن المقابلة ترينا الفرق .. وتعطي للمؤمن إحساسا بالسعادة .. لأنه زحزح عن عذاب الآخرة، وليس هذا فقط .. بل دخل الجنة ليقيم خالدا في النعيم .. ولذلك يقول سبحانه وتعالى:

{فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز}
(من الآية 185 سورة آل عمران)


إذن الفوز في الآخرة ليس على درجة واحدة ولكن على درجتين .. أولى درجات الفوز أن يزحزح الإنسان على النار ولو إلي الأعراف وهذا فوز عظيم .. يكفي إنك تمر على الصراط المضروب فوق النار وترى ما فيها من ألوان العذاب، ثم بعد ذلك تنجو من هذا الهول كله .. يكفي ذلك ليكون فوزا عظيما .. لأن الكافر في هذه اللحظة يتمنى لو كان ترابا حتى لا يدخل النار .. فمرور المؤمن فوق الصراط ورؤيته للنار نعمة لأنه يحس بما نجا منه .. فإذا تجاوز النار ودخل إلي الجنة لينعم فيها نعيما خالدا كان هذا فوزاً آخر .. ولذلك حرص الله تبارك وتعالى أن يعطينا المرحلتين. فلم يقل: من زحزح عن النار فاز .. ولم يقل من ادخل الجنة فاز .. بل قال "فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز" .. وجاءت هذه الآية الكريمة بعد آيات العذاب لتعطينا المقارنة.


 

قديم 03-10-2011, 01:03 PM   #83
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 83

(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون "83")
آخذ الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل ثمانية أشياء: الميثاق .. وهو العهد الموثق المربوط ربطا دقيقا وهو عهد الفطرة أو عهد الذر .. مصداقا لقوله تعالى:

{وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}
(من الآية 172 سورة الأعراف)


وهناك عهد آخر أخذه سبحانه وتعالى على رسله جميعا .. أن يبشروا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويطلبوا من أتباعهم أن يؤمنوا به عند بعثه .. أو ألا يكتموا ما في كتبهم وإلا يغيروه .. والميثاق هو كل شيء فيه تكليف من الله .. ذلك أنك تدخل في عقد إيماني مع الله سبحانه وتعالى بأن يفعل ما يأمر به وتترك ما نهى عنه .. هذا هو الميثاق .. كلمة الميثاق وردت في القرآن الكريم بوصف غليظ .. في علاقة الرجل بالمرأة .. قال سبحانه وتعالى:

{وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانا وإثماً مبيناً "20" وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلي بعضٍ وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}
(سورة النساء)


نقول نعم لأن هذا الميثاق سيحل للمرأة أشياء لا تكون إلا به .. أشياء لا تحل لأبيها أو لأخيها أو أي إنسان عدا زوجها .. والرجل إذا دخل على ابنته وكانت ساقها مكشوفة تسارع بتغطيته .. فإذا دخل عليها زوجها فلا شيء عليها .. إذن هو ميثاق غليظ لأنه دخل مناطق العورة وأباح العورة للزوج والزوجة .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

{هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}
(من الآية 187 سورة البقرة)


إن كلا منهما يغطي ويخفي ويستر عورة الآخر .. والأب لا يفرح من انتقال ولاية ابنته إلي غيره .. إلا انتقال هذه الولاية لزوجها .. ويشعر بالقلق عندما تكبر الفتاة ولا تتزوج. الحق يقول: "وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله" هذا الميثاق شمل ثلاثة شروط: "لا تعبدون الله وحده .. وتؤمنون بالتوراة وبموسى نبيا .. لماذا؟ لأن عبادة الله وحده هي قمة الإيمان .. ولكن لا تحدد أنت منهج عبادته سبحانه .. بل الذي يحدد منهج العبادة هو المعبود وليس العابد .. لابد أن تتخذ المنهج المنزل من الله وهو التوراة وتؤمن به .. ثم بعد ذلك تؤمن بموسى نبياً .. لأنه هو الذي نزلت عليه التوراة .. وهو الذي سيبين لك طريق العبادة الصحيحة. وبدون هذه الشروط الثلاثة لا تستقيم عبادة بني إسرائيل ..
وقوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا" لأنهما السبب المباشر في وجودك .. ربياك وأنت صغير، ورعياك، وقوله تعالى: "إحسانا" معناه زيادة على المفروض. لأنك قد تؤدي الشيء بالقدر المفروض منك .. فالذي يؤدي الصلاة مثلا بقدر الغرض يكون قد أدى .. أما الذي يصلي النوافل ويقوم الليل يكون قد دخل في مجال الإحسان .. أي عطاؤه اكثر من المفروض .. والله تبارك وتعالى يقول:

{إن المتقين في جناتٍ وعيونٍ "15" آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين "16" كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون "17" وبالأسحار هم يستغفرون "18" وفي أموالهم حق للسائل والمحروم "19" }
(سورة الذاريات)


وهكذا نرى أن الإحسان زيادة على المفروض في الصلاة والتسبيح والصدقة والله تبارك وتعالى يريد منك أن تعطي لوالديك اكثر من المفروض أو من الواجب عليك .. وقوله تعالى: "وذوي القربى" .. يحدد الله لنا فيها المرتبة الثانية بالنسبة للإحسان .. فالله جل جلاله أوصانا أن نحسن لوالدينا ونرعى أقاربنا .. ولو أن كل واحد منا قام بهذه العملية ما وجد محتاج أو فقير أو مسكين في المجتمع .. والله يريد مجتمعا لا فقر فيه ولا حقد .. وهذا لا يتأتى إلا بالتراحم والإحسان للوالدين والأقارب .. فيكون لكل محتاج في المجتمع من يكفله ..


 

قديم 03-10-2011, 01:04 PM   #84
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 84

(وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون "84")
قلنا ساعة تسمع "إذا" فأعلم أن معناها أذكر .. وقلنا إن الميثاق هو العهد الموثق .. وقوله تعالى: "لا تسفكون دماءكم" .. والله تبارك وتعالى ذكر قبل ذلك في الميثاق عبادة الله وحده .. وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين .. وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة إلي آخر ما جاء في الآية الكريمة .. وكلها أوامر أي وكلها افعل .. استكمالا للميثاق .. يقول الله في هذه الآية الكريمة ما لا تفعل .. فالعبادة كما قلنا هي إطاعة الأمر والامتناع عن النواهي .. أو ما نهى عنه الميثاق:
"لا تسفكون دماءكم" ومعناها لا يسفك كل واحد منكم دم أخيه .. لا يسفك بعضكم دم بعض. ولكن لماذا قال الله: "دماءكم"؟ لأنه بعد ذلك يقول: "ولا تخرجون أنفسكم من دياركم" .. الحكم الإيماني يخاطب الجماعة الإيمانية على أنها وحدة واحدة ..

<لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى">

فكأن المجتمع الإيماني وحدة واحدة .. والله سبحانه وتعالى يقول:

{فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبةً}
(من الآية 61 سورة النور)


ولكن إذا كنت أنا الداخل فكيف أسلم على نفسي؟ كأن الله يخاطب المؤمنين على أساس أنهم وحده واحدة .. وعلى هذا الأساس يقول سبحانه: "لا تسفكون دماءكم" .. أي لا تقتلوا أنفسكم .. السفك معناه حب الدم .. "ودماءكم" هو السائل الموجود في الجسم اللازم للحياة .. وقوله تعالى: "ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم" يعني لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم .. ثم ربط المؤمنين من بني إسرائيل بقوله تعالى: "ثم أقررتم وأنتم تشهدون" .. أقررتم أي اعترفتم: "وأنتم تشهدون" الشهادة هي الإخبار بمشاهد .. والقاضي يسأل الشهود لأنهم رأوا الحادث فيروون ما شاهدوا .. وأنت حين تروي ما شاهدت .. فكأن الذين سمعوا أصبح ما وقع مشهودا وواقعا لديهم وشاهد الزور يغير المواقع.
الحق سبحانه وتعالى يخاطب اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويذكرهم بما كان من آبائهم الأولين .. وموقفهم من أخذ الميثاق حين رفع فوقهم جبل الطور وهي مسألة معروفة .. والقرآن يريد أن يقول لهم إنكم غيرتم وبدلتم فيما تعرفون .. فالذي جاء على هواكم طبقتموه .. والذي لم يأت على هواكم لم تطبقوه.


 

قديم 03-10-2011, 01:04 PM   #85
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 85

(ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون "85")
يخاطب الحق جل جلاله اليهود ليفضحهم لأنهم طبقوا من التوراة ما كان على هواهم .. ولم يطبقوا ما لم يعجبهم ويقول لهم: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض". إنه يذكرهم بأنهم وافقوا على الميثاق وأقروه. ولقد نزلت هذه الآية عندما زنت امرأة يهودية وأرادوا ألا يقيموا عليها الحد بالرجم .. فقالوا نذهب إلي محمد ظانين أنه سيعفيهم من الحد الموجود في كتابهم .. أو أنه لا يعلم ما في كتابهم .. فلما ذهبوا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم هذا الحكم موجود عندكم في التوراة .. قالوا عندنا في التوراة أن نلطخ وجه الزاني والزانية بالقذارة ونطوف به على الناس .. قال لهم رسول الله لا .. عندكم آية الرجم موجودة في التوراة فانصرفوا .. فكأنهم حين يحسبون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخفف حدا من حدود الله .. يذهبون إليه ليستفتوه.
والحق سبحانه وتعالى يقول: "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم" .. أي بعد أن أخذ عليكم الميثاق ألا تفعلوا .. تقتلون أنفسكم .. يقتل بعضكم بعضا، أو أن من قتل سيقتل. فكأنه هو الذي قتل نفسه .. والحق سبحانه قال: "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم" .. لماذا جاء بكلمة هؤلاء هذه؟ لإنها إشارة للتنبيه لكي نلتف إلي الحكم.
وقوله تعالى: "وتخرجون فريقا منكم من ديارهم" وحذرهم بقوله: "ولا تخرجون أنفسكم من دياركم" .. وجاء هذا في الميثاق. ما هو الحكم الذي يريد الحق تبارك وتعالى أن يلفتنا إليه؟ نقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلي المدينة انتقل من دار شرك إلي دار إيمان .. ومعنى دار إيمان أن هناك مؤمنين سبقوا .. فهناك من آمن من أهل المدينة .. لقد هاجر المسلمون قبل ذلك إلي الحبشة ولكنها كانت هجرة إلي دار أمن وليست دار إيمان .. ولكن حين حدثت بيعة العقبة وجاء جماعة من المدينة وعاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به .. أرسل معهم الرسول مصعب بن عمير ليعلمهم دينهم .. وجاءت هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام على خميرة إيمانية موجودة .. لما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلي المدينة أفسد على اليهود خطة حياتهم .. فاليهود كانوا ممثلين في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة .. وكان هناك في المدينة الأوس والخزرج .. وبينهما حروب دائمة قبل أن يأتي الإسلام .. فاليهود قسموا أنفسهم إلي قوم مع الأوس وقوم مع الخزرج حتى يضمنوا استمرار العداوة .. فكلما هدأ القتال أهاجوا أحد المعسكرين على الآخر ليعود القتال من جديد .. وهم كذلك حتى الآن وهذه طبيعتهم.
إن الذي صنع الشيوعية يهودي، والذي صنع الرأسمالية يهودي .. والذي يحرك العداوة بين المعسكرين يهودي .. وكان بنو النضير وبنو قينقاع مع الخزرج وبنو قريظة مع الأوس .. فإذا اشتبك الأوس والخزرج كان مع كل منهم حلفاؤه من اليهود. عندما تنتهي المعركة ماذا كان يحدث؟ إن المأسورين من بني النضير وبني قينقاع يقوم بنو قريظة بالمساعدة في فك أسرهم .. مع أنهم هم المتسببون في هذا الأسر .. فإذا انتصرت الأوس وأخذوا أسرى من الخرج ومن حلفائهم اليهود .. يأتي اليهود ويعملون على إطلاق سراح الأسرى اليهود .. لأن عندهم نصا أنه إذا وجد أسير من بني إسرائيل فلابد من فك أسره.
سبحانه وتعالى:

{ما كان لنبيٍ أن يكون له أسرى حتى بثخن في الأرض}
(من الآية 16 سورة الأنفال)


ولكن القرآن أتى بها أسارى .. واللغة أحيانا تأتي على غير ما تقضيه قياسها لتلفتك إلي معنى من المعاني .. فكسلان تجمع كسالى. والكسالى هو هابط الحرة .. الأسير أيضا أنت قيدت حركته .. فكأن جمع أسير على أسارى إشارة إلي تقييد الحركة .. القرآن الكريم جاء بأسارى وأسرى .. ولكنه حين استخدم أسارى أراد أن يلفتنا إلي تقييد الحركة مثل كسالى .. ومعنى وجود أسرى أن حربا وقعت .. لحرب تقتضي الالتقاء والالتحام .. ويكون كل واحد منهم يريد أن يقتل عدوه.
كلمة الأسر هذه أخذت من أجل تهدئة سعار اللقاء .. فكأن الله أراد أن يحمي القوم من شراسة نفوسهم وقت الحرب فقال لهم إستأسروهم .. لا تقتلوهم إلا إذا كنتم مضطرين للقتل .. ولكن خذوهم أسرى وفي هذا مصلحة لكم لأنكم ستأخذون منهم الفدية .. وهذا تشريع من ضمن تشريعات الرحمة .. لأنه لو لم يكن الأسر مباحا .. لكان لابد إذا إلتقى مقاتلان أن يقتل أحدهما الآخر .. لذلك يقال خذه أسيرا إلا إذا كان وجوده خطراً على حياتك. وقول الحق تبارك وتعالى: "وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم" .. كانت كل طائفة من اليهود مع حليفتها من الأوس أو الخزرج .. وكانت تخرج المغلوب من دياره وتأخذ الديار .. وبعد أن تنتهي الحرب يفادوهم .. أي يأخذون منهم الفدية ليعيدوا إليهم ديارهم وأولادهم.
لماذا يقسم ال يهود أنفيهم هذه القسمة .. أنها ليست تقسيمة إيمانية ولكنها تقسيمة مصلحة دنيوية .. لماذا؟ لأنه ليس من المعقول وأنتم أهل كتاب .. ثم تقسمون أنفسكم قسما مع الأوس وقسما مع الخزرج .. ويكون بينكم إثم وعدوان. وقوله تعالى: "تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان" .. تظاهرون عليهم. أي تعاونون عليهم وأنتم أهل دين واحد: "بالإثم" .. والإثم هو الشيء الخبيث الذي يستحي منه الناس: "والعدوان" .. أي التعدي بشراسة .. وقوله تعالى: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" .. أي تأخذون القضية على أساس المصلحة الدنيوية .. وتقسمون أنفسكم مع الأوس والخزرج .. تفعلون ذلك وأنتم مؤمنون بإله ورسول وكتاب .. مستحيل أن يكون دينكم أو نبيكم قد أمركم بهذا.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: "فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا" أي إنكم فعلتم ذلك وخالفتم لتصلوا إلي مجد دنيوي ولكنكم لم تصلوا إليه .. سيصيبكم الله بخزي في الدنيا .. أي أن الجزاء لن يتأخر إلي الآخرة بل سيأتيكم خزي وهو الهوان والذل في الدنيا .. وماذا في الآخرة؟ يقول الله تعالى: "ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب" الخزي في الدنيا أصابهم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وأخرج بنو قينقاع من ديارهم في المدينة .. كذلك ذبح بنو قريظة بعد أن خانوا العهد وخانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين .. وهكذا لا يؤخر الله سبحانه وتعالى جزاء بعض الذنوب إلي الآخرة .. وجزاء الظلم في الدنيا لا يؤجل إلي الآخرة، لأن المظلوم لابد أن يرى مصرع ظالميه حتى يعتدل نظام الكون .. ويعرف الناس أن الله موجود وأنه سبحانه لكل ظالم بالمرصاد .. اليهود أتاهم خزي الدنيا سريعا: "يوم القيامة يردون إلي أشد العذاب".
قد يتساءل الناس ألا يكفيهم الخزي في الدنيا عن عذاب الآخرة؟ نقول لا .. لأن الخزي لم ينلهم في الدنيا حدا .. ولم يكن نتيجة إقامة حدود الله عليهم .. فالخزي حين ينال الإنسان كحد من حدود الله عليهم .. فالخزي حين ينال الإنسان كحد من حدود الله يعفيه من عذاب الآخرة .. فالذي سرق وقطعت يده والذي زنا ورجم .. هؤلاء نالهم عذاب من حدود الله فلا يحاسبون في الآخرة .. أما الظالمون فالأمر يختلف .. لذلك فإننا نجد إناسا من الذين ارتكبوا إثما في الدنيا يلحون على إقامة الحد عليهم لينجو من عذاب الآخرة .. مع أنه لم يرهم أحد أو يعلم بهم أحد أو يشهد عليهم أحد .. حتى لا يأتي واحد ليقول: لماذا لا يعفي الظالمون الذي أصابهم خزي في الدنيا من عذاب الآخرة؟ نقول إنهم في خزي الدنيا لم يحاسبوا عن جرائمهم .. أصابهم ضر وعذاب .. ولكن أشد العذاب ينتظرهم في الآخرة الذي هو بقدرة الله سبحانه وتعالى، كما أن هذه الدنيا تنتهي فيها حياة الإنسان بالموت، أما الآخرة فلا موت فيها بل خلود في العذاب.
ثم يقول الحق جل جلاله: "وما الله بغافل عما تعملون" .. أي لا تحاسب أن الله سبحانه وتعالى يغفل عن شيء في كونه فهو لا تأخذه سنة نوم .. وهو بكل شيء محيط.


 

قديم 03-10-2011, 01:04 PM   #86
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 86

(أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "86")
ويذكر لنا الله سبحانه وتعالى سبب خيبة هؤلاء وضلالهم لأنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة .. جعلوا الآخرة ثمنا لنزواتهم ونفوذهم في الدنيا .. هم نظروا إلي الدنيا فقط .. ونظرة الإنسان إلي الدنيا ومقارنتها بالآخرة تجعلك تطلب في كل ما تفعله ثواب الآخرة .. فالدنيا عمرك فيها محدود .. ولا تقل عمر الدنيا مليون أو مليونان أو ثلاثة ملايين سنة .. عمر الدنيا بالنسبة لك هو مدة بقائك فيها .. فإذا خرجت من الدنيا انتهت بالنسبة لك .. والخروج من الدنيا بالموت .. والموت لا أسباب له ولذلك فإن الإسلام لا يجعل الدنيا هدفا لأن عمرنا فيها مظنون .. هناك من يموت في بطن أمه ومن يعيش ساعة أو ساعات، ومن يعيش إلي أرذل العمر .. إذن فاتجه إلي الآخرة، ففيها النعيم الدنيا والحياة بلا موت المتعة على قدرات الله .. ولكن خيبة هؤلاء أنهم اشتروا الدنيا بالآخرة .. ولذلك يقول الحق عنهم: "فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون" .. لا يخفف عنهم العذاب أي يجب ألا يأمنوا أن العذاب في الآخرة سيخفف عنهم .. أو ستقل درجته أو تنقص مدته .. أو سيأتي يوما ولا يأتي يوما وقوله: "ولا هم ينصرون" .. النصرة تأتي على معنيين .. تأتي بمعنى أنه لا يغلب .. وتأتي بمعنى أن هناك قوة تنتصر له أي تنصره .. كونه يغلب .. الله سبحانه وتعالى غالب على أمره فلا أحد يملك لنفسه نفعا ولا ضرا .. ولكن الله يملك النفع والضر لكل خلقه .. ويملك تبارك وتعالى أن يقهر خلقه على ما يشاء .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

{قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرا إلا ما شاء الله}
(من الآية 188 سورة الأعراف)


أما مسألة أن ينصره أحد .. فمن الذي يستطيع أن ينصر أحدا من الله واقرأ قوله سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام:

{ويا قوم من ينصرني من الله}
(من الآية 30 سورة هود)


يقول الحق سبحانه وتعالى: "فلا يخفف عنهم العذاب" .. أمر لم يقع بعد بل سيقع مستقبلا .. يتحدث الله سبحانه وتعالى عنه بلهجة المضارع .. نقول إن كل أحداث الكون ما سيقع منها هو عند الله تم وانتهى وقضى فيه .. لذلك نجد في القرآن الكريم قوله سبحانه:

{أتى أمر الله فلا تستعجلوه}
(من الآية 1 سورة النحل)


أتى فعل ماضي .. ولا تستعجلوه مستقبل .. كيف يقول الله سبحانه وتعالى أتى ثم يقول لا تستعجلوه؟ إنه مستقبل بالنسبة لنا .. أما بالنسبة لله تبارك وتعالى فمادام قد قال أتى .. فمعنى ذلك أنه حدث .. فلا أحد يملك أن يمنع أمرا من أمور الله من الحدوث .. فالعذاب آت لهم آت .. ولا يخفف عنهم لأن أحدا لا يملك تخفيفه.


 

قديم 03-10-2011, 01:05 PM   #87
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 87

(ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون "87")
وبعد أن بين الحق سبحانه وتعالى لنا ما فعله اليهود مع نبيهم موسى عليه السلام .. أراد أن يبين لنا ما فعله بنو إسرائيل بعد نبيهم موسى .. وأراد أن يبين لنا موقفهم من رسول جاءهم منهم .. ولقد جاء لبني إسرائيل رسل كثيرون لأن مخالفاتهم للمنهج كانت كثيرة .. ولكن الآية الكريمة ذكرت عيسى عليه السلام .. لأن الديانتين الكبيرتين اللتين سبقتا الإسلام هما اليهودية والنصرانية .. ولكن لابد أن نعرف أنه قبل مجيء عيسى .. وبين رسالة موسى ورسالة عيسى عليهما السلام رسل كثيرون .. منهم داود وسليمان وزكريا ويحيى وغيرهم .. فكأنه في كل فترة كان بنو إسرائيل يبتعدون عن الدين .. ويرتكبون المخالفات وتنتشر بينهم المعصية .. فيرسل الله رسولا يعدل ميزان حركة حياتهم .. ومع ذلك يعودون مرة أخرى إلي معصيتهم وفسقهم .. فيبعث الله رسولا جديداً .. ليزيل الباطل وهوى النفس من المجتمع ويطبق شرع الله .. ولكنهم بعده يعودون مرة أخرى إلي المعصية والكفر.
وقال الله سبحانه وتعالى: "لقد أتينا موسى الكتاب" والقائل هو الله جل جلاله .. والكتاب هو التوراة: "وقفينا من بعده بالرسل" .. والله تبارك وتعالى بين لنا موقف بني إسرائيل من موسى .. وموقفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين .. ولكنه لم يبين لنا موقفهم من الرسل الذين جاءوا بعد موسى حتى عيسى ابن مريم. الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا .. إلي أنه لم يترك الأمر لبني إسرائيل بعد موسى .. أن يعملوا بالكتاب الذي أرسل معه فقط .. ولكنه أتبع ذلك بالرسل حين تسمع "قفينا" .. أي اتبعنا بعضهم بعضا .. كل يخلف الذي سبقه "وقفينا" مشتقة من قفا .. وقفا الشيء خلفه .. وتقول قفوت فلاناً أي سرت خلفه قريباً منه.
إن الحق يريد أن يلفتنا إلي أن رسالة موسى لم تقف عند موسى وكتابه .. ولكنه سبحانه أرسل رسلاً وأنبياء ليذكروا وينبهوا .. ولقد قلنا إن كثرة الأنبياء لبني إسرائيل ليست شهادة لهم ولكنها شهادة عليهم .. إنهم يتفاخرون أنهم أكثر الأمم أنبياءً .. ويعتبون ذلك ميزة لهم ولكنهم لم يفهموا .. فكثرة الأنبياء والرسل دلالة على كثرة فساد الأمة، لأن الرسل إنما يجيئون لتخليص البشرية من فساد وأمراض وإنقاذها من الشقاء .. وكلما كثر الرسل والأنبياء دل ذلك على أن القوم قد انحرفوا بمجرد ذهاب الرسول عنهم، ولذلك كان لابد من رسول جديد .. تماما كما يكون المريض في حالةٍ خطرةٍ فيكثر أطباؤه بلا فائدةٍ .. وليقطع الله سبحانه وتعالى عليهم الحجة يوم القيامة .. لم يترك لهم فترة من غفلةٍ .. بل كانت الرسل تأتيهم واحدا بعد الآخر على فتراتٍ قريبةٍ.
وإذا نظرنا إلي يوشع وأشمويه وشمعون. وداود وسليمان وشعيب وأرميا. وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى .. نرى موكبا طويلاً جاء بعد موسى .. حتى إنه لم تمر فترة ليس فيها نبي أو رسول .. وحتى نفرق بين النبي والرسول .. نقول النبي مرسل والرسول مرسل .. كلاهما مرسل من الله ولكن النبي لا يأتي بتشريع جديد .. وإنما هو مرسل على منهج الرسل الذي سبقه .. واقرأ قوله سبحانه:

{وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍ}
(من الآية 52 سورة الحج)


إذن فالنبي مرسل أيضاً .. ولكنه أسوة سلوكية لتطبيق منهج الرسول الذي سبقه. وهل الله سبحانه وتعالى قص علينا قصص كل الرسل والأنبياء الذين أرسلهم؟ اقرأ قوله تبارك وتعالى:

{ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً "164" }
(سورة النساء)


إذن هناك رسل وأنبياء أرسلوا إلي بني إسرائيل لم نعرفهم .. لأن الله لم يقصص علينا نبأهم .. ولكن الآية الكريمة التي نحن بصددها لم تذكر إلا عيسى عليه السلام .. باعتباره من أكثر الرسل أتباعا .. والله تبارك وتعالى حينما أرسل عيسى أيده بالآيات والبينات التي تثبت صدق بلاغه عن الله .. ولذلك قال جل جلاله: "وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس" .. وعيسى ابن مريم عليه السلام جاء ليرد على المادية التي سيطرت على بني إسرائيل .. وجعلتهم لا يعترفون إلا بالشيء المادي المحسوس .. فعقولهم وقلوبهم أغلقت من ناحية الغيب .. حتى إنهم قالوا لموسى: "أرنا الله جهرة" .. وحين جاءهم المن والسلوى رزقاً من الله .. خافوا أن ينقطع عنهم لأنه رزق غيبي فطلبوا نبات الأرض .. لذلك كان لابد أن يأتي رسول كل حياته ومنهجه أمور غيبية .. مولده أمر غيبي، وموته أمر غيبي ورفعه أمر غيبي ومعجزاته أمور غيبية حتى ينقلهم من طغيان المادية إلي صفاء الروحانية.
لقد كان أول أمره أن يأتي عن غير طريق التكاثر المادي .. أي الذي يتم بين الناس عن طريق رجل وأنثى وحيوان منوي .. والله سبحانه وتعالى أراد أن يخلع من أذهان بني إسرائيل أن الأسباب المادية تحكمه .. وإنما هو الذي يحكم السبب. هو الذي يخلق الأسباب ومتى قال: "كن" كان .. بصرف النظر عن المادية المألوفة في الكون .. وفي قضية الخلق أراد الله جل جلاله للعقول أن تفهم أن مشيته هي السبب وهي الفاعلة .. واقرأ قوله سبحانه:

{لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور "49" أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير "50"}
(سورة الشوى)


فكأن الله سبحانه وتعالى جعل الذكورة والأنوثة هما السبب في الإنجاب .. ولكنه جعل طلاقة القدرة مهيمنة على الأسباب .. فيأتي رجل وامرأة ويتزوجان ولكنهما لا ينجبان .. فكأن الأسباب نفسها عاجزة عن أن تفعل شيئا إلا بإرادة المسبب. والله سبحانه وتعالى يقول: "وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس" .. لماذا قال الحق تبارك وتعالى: "وأيدناه بروح القدس" .. ألم يكن باقي الرسل والأنبياء مؤيدين بروح القدس؟
نقول: لقد ذكر هنا تأييد عيسى بروح القدس لأن الروح ستشيع في كل أمر له .. ميلاداً ومعجزة وموتاً .. والروح القدس هو جبريل عليه السلام لم يكن يفارقه أبدا .. لقد جاء عيسى عليه السلام على غير مألوف الناس وطبيعة البشر مما جعله معرضاً دائما للهجوم .. ولذلك لابد أن يكون الوحي في صحبته لا يفارقه .. ليجعل من مهابته على القوم ما يرد الناس عنه .. وعندما يتحدث القرآن أنه رفع إلي السماء .. اختلف العلماء هل رفع إلي السماء حيا؟ أو مات ثم رفع إلي السماء؟ نقول:


 

قديم 03-10-2011, 01:05 PM   #88
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 88

(وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون "88")
الله سبحانه وتعالى يذكر لنا كيف برر بنو إسرائيل عدم إيمانهم وقتلهم الأنبياء وكل ما حدث منهم .. فماذا قالوا؟ لقد قالوا "قلوبنا غلف" والغلف مأخوذ من الغلاف والتغليف .. وهناك غلف بسكون اللام، وغلف بضم اللام .. مثل كتاب وكتب "قلوبنا غلف" أي مغلفة وفيها من العلم ما يكفيها ويزيد، فكأنهم يقولون إننا لسنا في حاجة إلي كلام الرسل .. أو "قلوبنا غلف" أي مغلفة ومطبوع عليها .. أي أن الله طبع على قلوبهم وختم عليها حتى لا ينفذ إليها شعاع من الهداية ولا يخرج منها شعاع من الكفر.
إذ1 كان الله سبحانه وتعالى قد فعل هذا .. ألم تسألوا أنفسكم لماذا؟ ما هو السبب؟ والحق تبارك وتعالى يرد عليهم فيقول: "بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون": لفظ "بل" يؤكد لنا أن كلامهم غير صحيح .. فهم ليس عندهم كفاية من العلم بحيث لا يحتاجون إلي منهج الرسل .. ولكنهم ملعونون ومطرودون من رحمة الله .. فلا تنفذ إشعاعات النور ولا الهداية إلي قلوبهم .. ولكن ذلك ليس لأن ختم عليها بلا سبب .. ولكنه جزاء على أنهم جاءهم النور والهدى .. فصدوه بالكفر أولا .. ولذلك فإنهم أصبحوا مطرودين من رحمة الله .. لأن من يصد الإيمان بالكفر يطرد من رحمة الله، ولا ينفذ إلي قلبه شعاع من أشعة الإيمان.
وهنا يجب أن نتنبه إلي أن الله سبحانه وتعالى لم يبدأهم باللعنة. وبعض الناس الذين يريدون أن يهربوا من مسئولية الكفر علها تنجيهم من العذاب يوم القيامة يقولون إن الله سبحانه وتعالى قال:

{فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء }
(من الآية 8 سورة فاطر)


تلك هي حجة الكافرين الذين يظنون إنها ستنجيهم من العذاب يوم القيامة .. إنهم يريدون أن يقولوا إن الله يضل من يشاء .. ومادام الله قد شاء أن يضلني فما ذنبي أنا؟ وهل أستطيع أن أمنع مشيئة الله .. نقول له: إن الله إذا قيد أمرا من الأمور المطلقة فيجب أن نلجأ إلي التقييد .. والله تبارك وتعالى يقول:

{والله لا يهدي القوم الكافرين }
(من الآية 37 سورة التوبة)


ويقول سبحانه:

{والله لا يهدي القوم الظالمين }
(من الآية 19 سورة التوبة)


ويقول جل جلاله:

{والله لا يهدي القوم الفاسقين }
(من الآية 24 سورة التوبة)


والحق سبحانه وتعالى أخبرنا أنه منع إعانته للهداية عن ثلاثة أنواع من الناس .. الكافرين والظالمين والفاسقين .. ولكن هل هو سبحاه وتعالى منع معونة الهداية أولا؟ أم أنهم هم الذين ارتكبوا من الضلال ما جعلهم لا يستحقون هداية الله؟! إنسان واجه الله بالكفر .. كفر بالله .. رفض أن يستمع لآيات الله ورسله .. ورفض أن يتأمل في كون الله .. ورفض أن يتأمل في خلقه هو نفسه ومن الذي خلقه .. ورفض أن يتأمل في خلق السماوات والأرض .. كل هذا رفضه تماما .. ومضى يصنع لنفسه طريق الضلال ويشرع لنفسه الكفر .. لأنه فعل ذلك أولا .. ولأنه بدأ بالكفر برغم أن الله سبحانه وتعالى وضع له في الكون وفي نفسه آيات تجعله يؤمن بالله، وبرغم ذلك رفض. هو الذي بدأ والله سبحانه وتعالى ختم على قلبه.
الإنسان الظالم يظلم الناس ولا يخشى الله .. يذكرونه بقدره الله وقوة الله فلا يلتفت .. يختم الله على قلبه .. كذلك الإنسان الفاسق الذي لا يترك منكرا إلا فعله .. ولا إثما إلا ارتكبه .. ولا معصية إلا أسرع إليها .. لا يهديه الله .. أكنت تريد أن يبدأ هؤلاء الناس بالكفر والظلم والفسوق ويصرون عليه ثم يهديهم الله؟ يهديهم قهرا أو قسراً، والله سبحانه وتعالى خلقنا مختارين؟ طبعا لا .. ذلك يضع الاختيار البشري في أن يطيع الإنسان أو يعصى.
والحق تبارك وتعالى أثبت طلاقة قدرته فيما نحن مقهورون فيه .. في أجسادنا التي تعمل أعضاءها الداخلية بقهر من الله سبحانه وتعالى وليس بإرادة منا كالقلب والتنفس والدورة الدموية .. والمعدة والأمعاء والكبد .. كل هذا وغيره مقهور لله جل جلاله .. لا نستطيع أن نأمره ليفعل فيفعل .. وأن نأمره ألا يفعل فلا يفعل .. وأثبت الله سبحانه وتعالى طلاقة قدرته فيما يقع علينا من أحداث في الكون .. فهذا يمرض، وهذا تدهمه سيارة، وهذا يقع عليه حجر .. وهذا يسقط، وهذا يعتدي عليه إنسان .. كل الأشياء التي تقع عليك لا دخل لك فيها ولا تستطيع أن تمنعها .. بقى ذلك الذي يقع منك وأهمه تطبيق منهج الله في افعل ولا تفعل .. هذا لك اختيار فيه.
إن الله سبحانه وتعالى أوجد لك هذا الاختيار حتى يكون الحساب في الآخرة عدلا .. فإذا اخترت الكفر لا يجبرك الله على الإيمان .. وإذا اخترت الظلم لا يجبرك الله على العدل .. وإذا اخترت الفسوق لا يجبرك الله على الطاعة .. إنه يحترم اختيارك لأنه أعطاك هذا الاختيار ليحاسبك عليه يوم القيامة. لقد أثبت الله لنفسه طلاقة القدرة بأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ولكنه سبحانه قال إنه لا يهدي القوم الكافرين ولا القوم الظالمين ولا القوم الفاسقين .. فمن يرد أن يخرج من هداية الله فليكفر أو يظل أو يفسق .. ويكون في هذه الحالة هو الذي اختار فحق عليه عقاب الله .. لذلك فقد قال الكافرون من بني إسرائيل إن الله ختم على قلوبهم فهم لا يهتدون، ولكنهم هم الذين اختاروا هذا الطريق ومشوا فيه .. فاختاروا عدم الهداية ..
لقد أثارت هذه القضية جدلا كبيراً بين العلماء ولكنها في الحقيقة لا تستحق هذا الجدل .. فالله سبحانه وتعالى قال: "بل لعنهم الله بكفرهم" .. واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله .. ويتم ذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى .. لأن الطرد يتناسب مع قوة الطارد. فمثلا .. ابنك الصغير يطرد حجرا أمامه تكون قوة الطرد متناسبة مع سنه وقوته .. والأكبر أشد فأشد .. فإذا كان الطارد هو الله سبحانه وتعالى فلا يكون هناك مقدار لقوة اللعن والطرد يعرفه العقل البشري. قوله تعالى: "بل لعنهم الله بكفرهم" .. أي طردهم الله بسبب كفرهم .. والله تبارك وتعالى لا يتودد للناس لكي يؤمنوا .. ولا يريد للرسل أن يتعبوا أنفسهم في حمل الناس على الإيمان .. إنما وظيفة الرسول هي البلاغ حتى يكون الحساب حقا وعدلا .. واقرأ قوله جل جلاله:

{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3" إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين "4"}
(سورة الشعراء)


أي أهم لا يستطيعون ألا يؤمنون إذا أردناهم مؤمنين قهرا .. ولكننا نريدهم مؤمنين اختيارا .. وإيمان العبد هو الذي ينتفع به .. فالله لا ينتفع بإيمان البشر .. وقولنا لا إله إلا الله لا يسند عرش الله .. قلناها أو لم نقلها فلا إله إلا الله .. ولكننا نقولها لتشهد علينا يوم القيامة .. نقولها لتنجينا من أهوال يوم القيامة ومن غضب الله .. وقوله تعالى: "بكفرهم" يعطينا قضية مهمة هي: أنه تبارك وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك. فمن يشرك معه أحدا فهو لمن أشرك .. لذلك يقول الحق جل جلاله في الحديث القدسي:
(أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
وشهادة الله سبحانه وتعالى لنفسه بالألوهية .. هي شهادة الذات للذات .. وذلك في قوله تعالى:

{شهد الله أنه لا إله إلا هو }
(من الآية 18 سورة آل عمران)


فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلق خلقا يشهدون أنه لا إله إلا الله .. شهد لنفسه بالألوهية .. ولنقرأ الآية الكريمة:

{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط }
(من الآية 18 سورة آل عمران)


والله سبحانه وتعالى شهد لنفسه شهادة الذات للذات. والملائكة شهدوا بالمشاهدة .. وأولو العلم بالدليل .. والحق تبارك وتعالى يقول: "فقليلا ما يؤمنون" .. عندما تقول قليلا ما يحدث كذا، فإنك تقصد به هنا صيانة الاحتمال، لأنه من الممكن أن يثوب واحد منهم إلي رشده ويؤمن .. فيبقى الله الباب مفتوحا لهؤلاء. ولذلك نجد الذين أسرفوا على أنفسهم في شبابهم قد يأتون في آخر عمرهم ويتوبون .. في ظاهر الأمر أنهم أسرفوا على أنفسهم .. ولكنهم عندما تابوا واعترفوا بخطاياهم وعادوا إلي طريق الحق تقبل الله إيمانهم .. لذلك يقول الله جل جلاله: "فقليلا ما يؤمنون" أي أن الأغلبية تظل على كفرها .. والقلة هي التي تعود إلي الإيمان.


 

قديم 03-10-2011, 01:06 PM   #89
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 89

(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين "89")
بعد أن بين لنا الله سبحانه وتعالى .. أن بني إسرائيل قالوا إن قلوبهم غلف لا يدخلها شعاع من الهدى أو الإيمان .. أراد تبارك وتعالى أن يعطينا صورة أخرى لكفرهم بأنه أنزل كتابا مصدقا لما معهم ومع ذلك كفروا به .. ولو كان هذا الكتاب مختلفا عن الذي معهم لقنا إن المسألة فيها خلاف .. ولكنهم كانوا قبل أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن كانوا يؤمنون بالرسول والكتاب الذي ذكر عندهم في التوراة .. وكانوا يقولون لأهل المدينة .. أهل زمن رسول سنؤمن به ونتبعه ونقتلكم قبل عاد وإرم.
لقد كان اليهود يعيشون في المدينة .. وكان معهم الأوس والخزرج وعندما تحدث بينهم خصومات كانوا يهددونهم بالرسول القادم .. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا به وبما أنزل عليه من القرآن. واليهود في كفرهم كانوا أحد أسباب نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لأن الأوس والخرزج عندما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام قالوا هذا النبي الذي يهددنا به اليهود وأسرعوا يبايعونه .. فكأن اليهود سخرهم الله لنصرة الإسلام وهم لا يشعرون.
والرسول عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلي الناس في الطائف .. وينتظر القبائل عند قدومها إلي مكة في موسم الحج ليعرض عليهم الدعوة فيصدونه ويضطهدونه .. وعندما شاء الله أن ينتشر دعوة الإسلام جاء الناس إلي مكة ومعهم الأوس والخزرج إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذهب هو إليهم، وأعلنوا مبايعته والإيمان برسالته ونشر دعوته .. دون أن يطلب عليه الصلاة والسلام منهم ذلك .. ثم دعوه ليعيش بينهم في دار الإيمان .. كل هذا تم عندما شاء الله أن ينصر الإسلام بالهجرة إلي المدينة وينصره بمن اتبعوه.
ويقول الحق تبارك وتعالى: "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" .. أي أنهم قبل أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستفتحون بأنه قد أطل زمن رسول سنؤمن به ونتبعه .. فلما جاء الرسول كذبوه وكفروا برسالته. وقوله تعالى: "على الذين كفروا" .. أي كفار المدينة من الأوس والخزرج الذين لم يكونوا أسلموا بعد .. لأن الرسول لم يأت .. الحق سبحانه وتعالى يعطينا تمام الصورة في قوله تعالى: "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنه الله على الكافرين". وهكذا نرى أن بني إسرائيل فيهم جحود مركب جاءهم الرسول الذي انتظروه وبشروا به .. ولكن أخذهم الكبر رغم أنهم موقنون بمجيء الرسول الجديد وأوصافه موجودة عندهم في التوراة إلا أنهم رفضوا أن يؤمنوا فاستحقوا بذلك لعنة الله .. واللعنة كما قلنا هي الطرد من رحمة الله.


 

قديم 03-10-2011, 01:06 PM   #90
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 90

(بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين "90")
عندما رفض اليهود الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وطردهم الله من رحمته .. بين لنا أنهم: "بئسما اشتروا به أنفسهم" .. وكلمة اشترى سبق الحديث عنها وقلنا إننا عادة ندفع الثمن ونأخذ السلعة التي نريدها .. ولكن الكافرين قلبوا هذا رأسا على عقب وجعلوا الثمن سلعة .. على أننا لابد أن نتحدث أولا عن الفرق بين شرى واشترى .. شرى بمعنى باع .. واقرأ قوله عز وجل:

{وشروه بثمن بخسٍ دراهم معدودةٍ وكانوا فيه من الزاهدين "20"}
(سورة يوسف)


ومعنى الآية الكريمة أنهم باعوه بثمن قليل .. واشترى يعني ابتاع .. ولكن اشترى قد تأتي بمعنى شرى .. لأنك في بعض الأحيان تكون محتاجا إلي سلعة ومعك مال .. وتذهب وتشتري السلعة بمالك وهذا هو الوضع السليم .. ولكن لنفرض أنك احتجت لسلعة ضرورية كالدواء مثلا .. وليس عندك المالك ولكن عندك سلعة أخرى كأن يكون عندك ساعة أو قلم فاخر .. فتذهب إلي الصيدلية وتعطي الرجل سلعة مقابل سلعة .. أصبح الثمن في هذه الحالة مشترى .. إذن فمرة يكون البيع مشتري ومرة يكون مبيعاً ..
والحق تبارك وتعالى يقول: "بئسما اشتروا به أنفسهم" .. وكأنما يعيرهم بأنهم يدعون الذكاء والفطنة .. ويؤمنون بالمادية وأساسها البيع والشراء .. لو كانوا حقيقة يتقنون هذا لعرفوا أنهم قد أتموا صفقة خاسرة .. الصفقة الرابحة كانت أن يشتروا أنفسهم مقابل التصديق بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم .. ولكنهم باعوا أنفسهم واشتروا الكفر فخسروا الصفقة لأنهم أخذوا الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة .. والله سبحانه وتعالى يجعل بعض العذاب في الدنيا ليستقيم ميزان الأمور حتى عند من لم يؤمن بالآخرة .. فعندما يرى ذلك من لا يؤمن بالآخرة عذابا دنيويا يقع على ظالم .. يخاف من الظلم ويبتعد عنه حتى لا يصيبه عذاب الدنيا ويعرف أن في الدنيا مقاييس في الثواب والعقاب .. وحتى لا ينتشر في الأرض فساد من لا يؤمن بالله ولا بالآخرة .. وضع الحق تبارك وتعالى قصاصا في الدنيا .. واقرأ قوله جل جلاله:

{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون "179" }
(سورة البقرة)


والله سبحانه وتعالى في قصاصه يلفت المؤمن وغير المؤمن إلي عقوبة الحياة الدنيا .. فيأتي للمرابي الذي يمتص دماء الناس ويصيبه بكارثة لا يجد بعدها ما ينفقه .. ولذلك نحن نقول يا رب إن القوم غرهم حلمك واستبطأوا آخرتك فخذهم ببعض ذنوبهم أخذ عزيز مقتدر حتى يعتدل الميزان.
والله تبارك وتعالى جعل مصارع الظالمين والباغين والمتجبرين في الدنيا .. جعلها الله عبرة لمن لا يعتبر بمنهج الله. فتجد إنسانا ابتعد عن دينه وأقبلت عليه الدنيا بنعيمها ومجدها وشهرتها ثم تجده في آخر أيامه يعيش على صدقات المحسنين .. وتجد امرأة غرها المال فانطلقت تجمع من كل مكان حلالا أو حراما وأعطتها الدنيا بسخاء .. وفي آخر أيامها تزول عنها الدنيا فلا تجد ثمن الدواء .. وتموت فيجمع لها الناس مصاريف جنازتها .. كل هذه الأحداث وغيرها عبرة للناس .. ولذلك فهي تحدث على رؤوس الأشهاد .. يعفرها عدد كبير من الناس .. إما لأنها تنشر في الصحف وإما أنها تذاع بين أهل الحي فيتناقلونها .. المهم أنها تكون مشهور.
وتجد مثلا أن اليهود الذين كانوا زعماء المدينة تجار الحرب والسلاح .. ينتهي بهم الحال أن يطردوا من ديارهم وتؤخذ أموالهم وتسبى نساؤهم .. أليس هذا خزيا؟ قوله تعالى: "أن يكفروا يما أنزل الله بغيا" .. البغي تجاوز الحد، والله جعل لكل شيء حدا من تجاوزه بغى .. والحدود التي وضعها الله سبحانه هي أحكام .. ومرة تكون أوامر ومرة تكون نواهي. ولذلك يقول الحق بالنسبة للأوامر:

{تلك حدود الله فلا تعتدوها }
(من الآية 229 سورة البقرة)


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:01 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا