المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > ملتقيات التجارب الشخصية والأبحاث > ملتقى المقالات النفسية والأبحاث
 

ملتقى المقالات النفسية والأبحاث المقالات وخلاصة الكتب النفسية والإجتماعية

علم الاجتماع السياسي (ترجمة)

د. عبد العزيز غوردو ترجمة عن: Marcel PRELOT : SOCIOLOGIE POLITIQUE مارسيل بريلو: علم الاجتماع السياسي، ص. 185 – 197. 99. - المتقهقرون والوصوليون.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 23-03-2012, 01:55 PM   #1
يحي غوردو
عضو دائم ( لديه حصانه )


الصورة الرمزية يحي غوردو
يحي غوردو غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27460
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 23-03-2012 (02:38 PM)
 المشاركات : 950 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue
علم الاجتماع السياسي (ترجمة)




د. عبد العزيز غوردو

ترجمة عن:





Marcel PRELOT : SOCIOLOGIE POLITIQUE





مارسيل بريلو: علم الاجتماع السياسي، ص. 185 – 197.



99. - المتقهقرون والوصوليون.
إن التراتبية العامة التي أقمناها تشمل القسم الأكبر من السكان، ويعتمدها عدد من السوسيولوجيين. في العادة هناك تطابق بين البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والبنية الفوقية السيكولوجية أو، يمكن القول أيضا، بين "المعطى" و"المبني". لكن هذا الرباط قد ينقطع بالنسبة لعدد من الافراد أو العائلات، إنها ظاهرة التقهقر، بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث ينزل الفرد لأن موارده ووسائل عيشه لا تعود على علاقة مع مطالبه الاجتماعية، وعلى العكس من ذلك يمكن للحراك أن يتخذ منحى الصعود أيضا، والمستفيدون منه يمكن نعتهم بالوصوليين.
1) الوصولي: هو الذي عندما تتوافر لديه الوسائل يطمح في الصعود إلى الطبقة العليا. وفي مجتمع ديمقراطي فالإمكانية لا تثير أية مشكلة قانونية. وهكذا يصبح الصعود الاجتماعي بالنسبة إليه علّة وجوده طيلة حياته (وينتقل أحيانا حتى إلى ورثته)، وحيث يصير مثله الأعلى، فالتراتبية الطبقية، مثل سلم جاكوب Jacob، تسكن لياليه وتستغرق كل نشاطه في النهار.
يمكن للوصولي أن يعتمد كل ما يشاء، بما في ذلك الأسلاف الذين يوفرهم الجنيالوجي أو المهتم بالتراث، ولكنه لا يستطيع اجتماعيا تأصيل نواياه عبر ما هو قائم فعلا، فيكتفي بتلقي الرفض البارد، أو الاحتقار المتعدد. إن الطبقة ترفضه لأنه لا يمتلك الأصول ولا الإمكانيات، إن نمط عيشه وسلوكه ليسا راقيين بالقدر الذي يسمح له بالاندماج مع أولئك الذين يطمح إلى ملاقاتهم، ومهما حاول كي يخفف من نقائصه عن طريق التبذير فإنه لن ينجح أبدا. بل يصبح مثارا للسخرية تماما كالسيد جوردان Jourdain أو السيد بوارييPoirier.
2) أما المتقهقر، فعلى العكس من ذلك، شخص مأساوي، أو على الأقل مثير للشفقة.
رأينا من حيث المبدأ أن بعض السلوك يستوجب الموارد المناسبة. هذا الترابط بين نمط العيش ومستوى العيش يوفر للفرد توازنا نفسيا وأخلاقيا. وعلى العكس، فذلك الذي يحصل له قطيعة بين ظروفه الاقتصادية وادعاءاته الاجتماعية سيجد نفسه في الأساس متضررا.
ففي شخصيته يتعايش نوع من المثالي، الذي ما زال ينبض بالحياة، مع مستوى اقتصادي يتعارض معه.
ينتج عنه تشوه مؤثر بين الطموح والواقع. إن المتقهقر، بعد أن يفقد ثروته، يظل يناضل بيأس من أجل الحفاظ على المظاهر؛ فيصوم طيلة الأسبوع حتى يوفر ثمن حلوى الاستقبالات، ويكدس عائلته كلها في غرفة مظلمة حتى يحافظ على صالونه. كل هذا الترف البائس والحزين، البعيد عن غير ما هو ضروري، يصبح بالنسبة إليه ضروريا أكثر من كل ما هو ضروري، لأنه يشهد، على الأقل في ناظريه، بأنه لم يتقهقر. إن عضو الطبقة الراقية، الذي لاحقه قدر سيء، يحب أكثر أن يكون غريب الأطوار، أو حتى يكف عن الحياة، أي ينتحر، على أن يتقهقر إلى طبقة أدنى من طبقته، حيث يمكنه أن يحيا حياة أكثر قساوة ولكن أفضل ألف مرة من معيشته الضنكة.

100. - البيطبقيين.
لا ينبغي الخلط بين المتقهقرين والبيطبقيين الذين، غالبا ما، ودون تدقيق يدمجون ضمن الطبقات الوسطى. فالبيطبقيون يفلتون من ظاهرة القطيع الطبقية. إنهم العناصر التي بسببها تنعكس الوظيفة الروحية أو الذهنية أو الاجتماعية سيكولوجيا على الوضعية المادية. هكذا فإن الباحثين التقنيين، والباحثين الجامعيين، والكنسيين يفلتون في معظمهم من الفكر الطبقي.
إن لهم حياة خاصة مميزة بحيث يصعب وضعهم ضمن طبقة. ومع ذلك لا يمكن إدراجهم ضمن المتقهقرين. فالفلاح الذي يصبح أستاذا في الكوليج دي فرانس لا يعود بالإمكان اعتباره فلاحا، حتى ولو انتعل، أثناء العطلة، أحذية الفلاحين أو مد لإخوته يد العون في موسم الحصاد. إنه لم يخن طبقته ولا يجب أن نعتبره انتهازيا، ولكن مع ذلك لا يمكن اعتباره ينتمي لوسطه الأصلي السابق.
إن الظاهرة الحديثة "للعمال – القساوسة" تمثل بالنسبة للكثيرين منهم محاولة يائسة للإفلات من وضعية البيطبقيين، والاندماج ضمن طبقة معينة. ونفس الشيء يقال عن المثقفين، من كبار البورجوازيين أو متوسطيهم، والذين يريدون الانتماء إلى البروليتاريا رغم مستوى عيشهم المختلف، ويترجمون ذلك عبر تظاهراتهم العنيفة أو كتاباتهم المستفزة.









المبحث الثالث


الوعي الطبقي


101- الطبقة، مجال للعلاقات.
الطبقة، في سلم تجانس المجتمعات، تتموضع في مستويين: وسط العلاقات، والجماعة.
الطبقة وسط يتميز بالعلاقات التي تعبر عن طموحات، حتى لو اعتبرت ثانوية، إلا أنها تظل حاضرة فعلا ولو لم تقم المجتمعات بتلبيتها. سواء كانت صغيرة جدا، مثل العائلة، أو كبيرة جدا، مثل الدولة. وعلى المنوال نفسه، وبفضل اختصاصاتها، فإن المجتمعات المهنية تترك الإنسان فريسة لنوع من الحنين. وعلى النقيض من ذلك، فإن الطبقة، بفضل امتدادها الواسع ومحتواها المائع، توفر لأعضائها إمكانية الاحتكاك مع بعضهم في جو من التعاطف.
1) الطبقة تخلق، لدى الفرد، شعورا بالرضا عن الذات. وفي مستواها يجد قبولا عاديا وثابتا عن مواقفه وتصرفاته. فهذه تستجيب تلقائيا لقوانين، عموما غير مكتوبة، ولكن احترامها يمنح الشعور بالأمان والنشوة.
2) الطبقة تخلق نشاطا جماعيا يسهل باقي العلاقات الأخرى. فهنا نجد نسق العلاقات الأميسية connubium للمجموعات الإثنية وتشارك الوجبات convivium عند القدماء، التي تميز الطوائف القديمة، إنها تبدو واهنة وضعيفة لكن حية داخل الطبقة. اليوم أيضا فداخل طبقته يجد الإنسان التسهيلات الكبيرة للزواج والترحيب اللائق من طرف شريكته ومن الأسر المعنية. الطبقة أيضا تسمح له بالجلوس على المائدة، واعتماد الطقوس المتبعة لتناول الطعام بطريقة موحدة، مما يكسب الضيافة قيمة اجتماعية مهمة.3 3) الطبقة تلبي الحاجة إلى التقليد، وهو عامل مهم في بناء المجموعات الاجتماعية. حسب غابريال تارد Gabriel Tarde فإن هذه تعتبر تجمعات بقدر ما يقلد أفرادها بعضهم بعضا بحيث يظهرون كما لو أنهم نسخة عن نموذج قديم. الطبقة توفر فعلا وسطا حيث قانون التقليد يلعب دوره بأقل قدر من المقاومة. والأفراد يتطورون بالقدر نفسه وينضبطون لنفس العادات، ويتبنون نفس الطرائق، ونفس اللغة، ونفس الآراء، ونفس الأحكام المسبقة.
وبنفس القدر فهم يتحملون نفس الأعباء، ويعبرون عن نفس الأفراح، ويتقاسمون نفس الأفكار، ويميلون نحو نفس الهدف. فبسبب العلاقات تصبح الطبقة مجتمعا.

102 – الطبقة-الجماعة La classe-communauté.
هذا العنصر يتدخل عندما ينظر أعضاء الطبقة، المتشابهين في عدة نقط، إلى بعضهم بما هم كذلك؛ بمعنى آخر عندما يحصل لديهم الوعي بالانتماء إلى طبقتهم.
إن العيش في مستوى طبقة ما يولد عقلية تكون نتاج تفكير معين، ومعتقدات، وأحكام مسبقة (بالمعنى الإيجابي للكلمة). يتم تبنيها دون أي مجهود، في الغالب، وبشكل أعمى (E. Goblot). هذه التأكيدات تبدو تلقائية بالنظر إلى الأحكام العكسية التي تتكون بالاختبار الفردي. فإلى الفكر الطبقي ترجع الأفكار التي لا تبدو إلا خفية، تلك التي لا نناقشها، ولا نشكلها، ولا يمكن حتى أن نلمحها، ولكن رغم ذلك بها نحاكم ونقرر معظم الوقت.
يرى السوسيولوجي بوير Bauer، الذي حل محل روبير ميشال Robert Michel في بالBale ، ضرورة وضع بعض القواعد الطبيعية من أجل تشارك المشاعر الخاصة بالطبقة. لكن، وفيما عدا بعض الاستثناءات، فإن التربية ومسار الحياة هي المحددات الرئيسة لتشكيل الذهنية الطبقية والتي تدفعها للانغلاق على ذاتها. فالولوج إلى طبقة، إن لم يكن يحتم بعض الضرورات المعينة، لا ينفتح مع ذلك للجميع، لأن الحميمية القائمة بين أفرادها تترجم أيضا بغضهم للآخرين. وقد بينا بأن الشعور بالقومية يلخص في جانب كبير منه المعارضة مع قومية أخرى. الشعور الطبقي مرجعه، هو أيضا، للعداء والنزعة الإقصائية. هكذا يمكن لـﭽوبلو E. Goblot الحديث عن "الحدود" التي تعلو في مصاقبة الخارج، والتي لا يخترقها كل من أراد. فلو كان بإمكان الجميع الوصول إلى نفس الفئة، فإنه لن يعود هناك من طبقات.
فبوجهيه: الحميمي والعدائي، يجعل الوعي الطبقي من هذه (أي الطبقة) "وحدة أكثر حقيقية من الفئات المشكلة على أساس الفكر" (V. Emile Pin, Les classes sociales, Spès, Paris, 1962). بل يذهب بعض السوسيولوجيين إلى حد اعتبار الوعي ميكنيزما حقيقيا تترابط داخله جميع الأجزاء فيما بينها وتعمل تحت نفس المؤثرات. إنهم يعتبرون فكر الطبقة يتجاوز مجرد نسخة بالكربون عن الأفكار والمشاعر ويُوَلّد تداخلا متبادلا بخصائص بيولوجية. هذا الميل نحو اختزال الظواهر الاجتماعية إلى ظواهر الحياة الحيوانية أصبح متجاوزا؛ وفائض عن الحاجة القول بأنه غير ذي فائدة بعد أن تم اللجوء إلى مفهوم الجماعة communauté الذي يترجم حقيقة الملامح التلقائية الحية لوجود الطبقة.
فكما رأينا، بالنسبة للمجتمع الممتد على طريقة توني F. Tonnies (V. N° 25)، فإن تداخل أشكال الوعي والسلوكات يحدث في مستوى أعمق. بما أن قسما كبيرا من الفردانيات يندمج هنا، تمظهرات التواصل تحقق اندماجا حقيقيا للأرواح، نوع من ضياع شخصية الفرد، التي يمكن أن تصل في هذه التمظهرات إلى حالة "النشوة الجماعية"، شبيهة إلى حد ما بظهور بعض الزعامات الوطنية في الأنظمة التوتاليتارية (الكليانية).
هذا المستوى المجتمعي لا يتجسد في فرنسا – وبصورة ناقصة – إلا بين الطبقة العاملة. أما الوسط الفلاحي فيظهر بعض التجليات المجتمعية لكن تعاكسها الفردانية المالية لأفراده. أما الطبقة الوسطى، الفرنسية لحد الساعة، فنلمس فيها كثيرا من التكتم بحيث لا تبدو إلا وسطا بسيطا. لأن التضامن بين أفرادها ضعيف جدا، وهي مقسمة بألف طريقة. وتلاحم الوعي لدى عناصرها محدود جدا، بحيث لا تدمج المجموعة إلى الحالات السطحية؛ بينما الطبقة العليا فإن مصالحها الفردية تسحبها إلى تضامن غير أكيد، بل إن عناصرها كثيرا ما يستمدون الدعم من خارجها ضد فئة منها. هكذا، فثورة 1830 تمت من خلال البورجوازية المالية العليا بمساعدة الشعب، ضدا عن المالكين الماليين الكبار.

103. – أسطورة الطبقة.
على العكس من ذلك، وعلى مستوى الطبقة العاملة، تبدو ظاهرة الجماعة شبه ثابتة، ولكنها حساسة نسبيا في بعض الفترات. اليوم، حيث يمحي عدد من الاختلافات المادية بين الطبقات، تتنامى الأهمية السيكولوجية لمفهوم الطبقة. لقد توقفت الطبقة عن أن تكون معطى تجريبيا مكتفيا بذاته وتحولت إلى "أسطورة"، بمعنى الإيديولوجيا السياسية، أي بكونها تمثيلا محركا بقدر ما هو متخيل.
إن أعضاء الطبقة (ومعهم آخرون كالمتقهقرين والبيطبقيين والذين يجدون صعوبة في الاندماج) يكونون صورة عن الطبقة تسمو على التاريخ بل وتتجاهل الوقائع أيضا. فإذا ظلت الطبقة ثابتة في تأملها الماضي، سعيدة بما يسميه بعض المنظرين الوطنيين "تأمل الأصول" فستظل عاملا راكدا. لكن بتحولها إلى "أسطورة" فإنها تصبح، بقوتها الاقتراحية، قادرة على اختراق العراقيل التي تعترضها.
فعن طريق الاستخدام الواسع المحدد، فإن الأسطورة، التي تتغذى على الحاضر وتحيا من أجل المستقبل، تكتسب قوة ثورية خالصة. وعندما تصل إلى أوجها تقلب الأوضاع المكتسبة وتعمل على وضع طبقة أخرى في وضعية السيطرة عبر الإقصاء العنيف للطبقة القائمة.
عندما لا تنتج الأسطورة دمارا جذريا فإنها، مع ذلك، تكون مثمرة عبر حركتها السيكولوجية وفضيلتها الحماسية. هكذا، فإن أسطورة الطبقة العاملة التي تحيل على الطبقة الدنيا تتحول إلى طبقة محظوظة أخلاقيا. تقليديا تحمل الطبقة العاملة شعورا بالدونية: شعورا بالاستغلال القائم على عدم كفاية الأجور؛ شعورا بالاضطهاد عبر الإقصاء من المشاركة الفعلية في إدارة الأعمال؛ شعورا بعدم الأمان المترتب عن الأخطار الاجتماعية، خصوصا البطالة التي تظل تطاردها؛ شعورا بالركود الناتج عن الانطباع بعدم القدرة على الخروج من ظروفها.
إلى هذه الوقائع الكئيبة، فإن الأسطورة تبدلها برؤية تناقضها تماما: الوعي بتفوق مرجعه ضرورة العمل للحفاظ على الحياة، وشرف العامل الذي يؤديه، وقدرته على تحويل المادة. من جهة أخرى يولد الشعور بالإخاء والمساواة قناعة بالقوة، اعتمادا على قوة العدد، وهي مدعوة للانتصار حتما. وهكذا تصبح الطبقة العاملة على مستوى الأسطورة، الطبقة المنقذة، المعوّضة، الحاملة لكل وعود المستقبل، ليس لها فقط، ولكن لكل النوع البشري. إنها تؤمن بقدرتها على تدمير باقي الطبقات الأخرى، وعلى أنقاضها تقيم مجتمعا بدون طبقات ولا دولة.
من الواضح أن هذه الأساطير ليس لها أي علاقة مباشرة مع الواقع الاجتماعي، ولكن ولأنه ليس بينها وبين الواقع أي تطابق فهي تعتبر خلاقة. إن المذاهب العلمية ثمينة، ولكن في غالب الأحيان هي بدون فعالية سياسيا، بما أنها تفسر الواقع تحديدا ودون تغييره. ففي الوقت الذي يعانق فيه العالم الواقع الميت، فإن السياسة، التي تحمل الأسطورة، تخلق وقائع جديدة.
لقد كان ماركس Marx يعلم جيدا بأن استيعاب البروليتاريا لكل الساكنة وقضائها على حفنة المستغلين، المتبقية من الطبقة الرأسمالية، هي خطاطة جامعة وافتراضية. لكن استقطاب الحياة الاجتماعية، غير المكتسبة، ينبغي أن يتحقق في المستقبل. أولئك الذين لا ينتمون بعد للبروليتاريا، أي إلى الطبقة الوسطى، هم مدعوون للالتحاق بها: إنها نتيجة لتركز رأسالمال. فرأسالمال المتركز يصبح أقوى أكثر فأكثر؛ مثيرا أزمات متعددة أكثر فأكثر، بحيث ستختفي المقاولات الصغيرة؛ ويجر معه برلتة prolétarisation الطبقات الوسطى بما لا مفر منه. وبفضل هذا الدعم ستتأكد قوة البروليتاريا بينما تقل أعداد البورجوازية المالكة لوسائل الإنتاج، "لصوص العمل"، بسرعة. فتصبح هذه البورجوازية مجموعة صغيرة جدا. هذا ما يوجد أصلا في فرنسا تحت مسمى "الأسر المائتان" التي تم اختيارها منذ القديم للمساهمة في بنك فرنسا.
من الناحية السوسيولوجية، فإن التقسيم الماركسي ثنائي الفروع فيه نظر. وهو سيأخذ كل قيمته إذا نحن أخذنا بعين الاعتبار تأويله السياسي الهادف إلى المثال الثوري. وهذا ما عبر عنه جورج سوريل Georges Sorel بصراحة في كتابهMatériaux d’une théorie du prolétariat :"الاشتغال بعلم الاجتماع شيء، وتكوين الوعي شيء آخر".
إن المفهوم الطبقي الموصول بالفكر، والممارس لعقدة كبيرة على شريحة واسعة من السكان، من أجل غزو السلطة، هو المستقبل الرحيم الذي لا مفر منه.
إن نظرية الطبقات الماركسية ليستتحليلا علميا، رغم ادعائها، بل – حسب التعبير الممتاز لجورج سورديل – سهلة الاستيعاب بعد التحليلات التي قدمناها للأسطورة، إنها "ثنائي موجه لفهم المثال الثوري."
بالنظر إلى الأهمية السياسية الكبيرة للأسطورة، فإنه ليس إنقاصا من أهمية النظرية الماركسية بقدر ما يتم تمثليها كما هي. فأسطورة الصراع الطبقي لم تبق مجرد ابتكار فكري. لقد أعطت ولادة للدولة، كشكل جديد للدولة وللمجتمع. وولّلدت في الغرب قوتين كبيرتين: حركة مهنية، النقابات المهنية الثورية، وحركة سياسية خالصة، منقسمة بدورها إلى اشتراكية ديمقراطية وشيوعية، مع الأحزاب الوطنية والدولية المناسبة. وسنتناول بالدراسة هاتين القوتين في الفصلين 21 و22، باعتبارهما عناصر أساسية لجدلية القوة والسلطة.



الفصل العاشر


الوسط الاقتصادي




المبحث الأول


التمييز بين الاقتصادي والسياسي


104- الاقتصادي يتحدد بعلاقات التبادل.
مبدئيا إن قواعد الاقتصادي والسياسي تعتبر مستقلة، وتحديدها الخاص صعب الإنشاء عمليا. فمفهوم السياسي كان، وما يزال، مثار نقاش(v. Marcel PELOT, art. « Science politique », in Encyclopaedia Universalis, 1972, T. 1) ؛ أما فيما يخص الاقتصادي فلا يقل عنه إثارة للجدل. كذلك فإن عددا من المتخصصين المؤهلين قد تنازلوا واعتبروا بأن مفهوما واضحا ومحددا سيكون سطحيا وبلا جدوى. فهذا ما رفضه هنري غيتون في عتبة محدداته (M. Henri Guitton, Précis, Paris Dalloz, 1959, 1er éd., p. 9). وحسب جون مارشال M. Jean Marshal "فإن علم الاقتصاد في حالة أزمة، ليس فقط بسبب تعارض الأطروحات، ولكن لأن موضوع البحث نفسه قد تغير".
أمام هذه الوساوس ينبغي العودة إلى غيتان بيرو Gaétan Pirou وإلى مقدمته في دراسة الاقتصاد السياسي (Paris, Sirey, 2é éd., 1946, p. 88) المؤلف المحفز لعالم السياسة، لأنه أثار، في زمنه، سلسلة من المشاكل القريبة من تلك التي تعترضه هو أيضا. لقد ركز غيتان بيرو على واقعة التبادل، الظاهرة الاجتماعية التي يتنازل فيها فرد لفرد آخر عما يمتلكه، ليحصل في مقابل ذلك على ما يرغب فيه. "إن وقائع التبادل هي تلك التي يقوم عليها جسر بين إنتاج الثروات وتلبية الحاجيات".
في كتابه عن الاقتصاد Manuel d’Economique، الذي يعود تاريخه لما قبل الحرب الأولى، كان أدولف لاندري Adolphe Landry، منتخب ومستشار عن كورسيكا La Corse، وعدة مرات وزيرا، والذي التقيناه حول موضوع الساكنة (v. n° 59)، يقول بأن "الاقتصادي" الذي يدرسه هو "النشاط الإنساني الذي يجنح نحو اكتساب الخيرات المتبادلة، أو المرتبط، بطريقة أخرى، بنوع من الخيرات."(Paris, 1908).
فمنذ الربع الأخير للقرن 19 كان ماك ليود Mac Leod قد لاحظ بأن "الاقتصاد هو علم التبادل أو التجارة في معناها الواسع". أما ر. واتلي R. Whaالاجتماع السياسي (ترجمة) 22-72.gify الذي جمع بين رتبة رئيس الأساقفة Archevêque وميزة الاقتصادي، فكان يرغب أن يعطى للاقتصاد السياسي اسم Catallactique، من الكلمة الإغريقية التي تعني "تبادل".
يقوم التبادل على المساواة النظرية بين القيمة الاقتصادية للمواد المتبادلة، بما هي نوعية المواد القائمة في علاقتها مع إشباع الحاجيات الذي توفره للأفراد والعائلات. إنها موجودة بالنسبة للإنسان وقائمة على التقدير الذاتي للفرد. فهذا يعمل على الاختيار من بين السلع المتنوعة جدا لضمان معيشته. ويقوم بذلك عموما تبعا لمعايير ليست علمية. لقد أعلن أندري فيليب André Philip، عندما كان وزيرا للمالية، والذي تجاوزه واقع أن الفرنسيين يشتكون من كونهم لا يتناولون ما يكفيهم، (منذ 1947) بأنه يمكننا أن نعيش جيدا، حسب بعض أخصائيي التغذية، فقط بتناول بعض العلب من الياغورت يوميا. لكن هذا ليس رأي ربة البيت ولا رأي زوجها. وقد تم توضيح هذا لصاحبنا الذي لم يعد أبدا إلى شارع ريفولي rue de Rivoli.
فبينما يتم التبادل أفقيا بين متساويين، تقوم العلاقة السياسية بين الحكام والمحكومين عموديا، أي بشكل غير متساو. إن سلطة خارجية قد مورست على الأفراد والجماعات، وهي متعالية في ذاتها؛ إن الديمقراطية تجعل منها متلازمة لكن ليس بشكل تام دائما. ذلك أن الظاهرة السياسية هي من طبيعة مختلفة عن الظاهرة الاقتصادية.
فبتأسيسه على التقدير القيمي يكون التبادل، حسب موريس هوريو Maurice Hauriou، مصدرا للحقوق الذاتية؛ السلطة، التي تخلق قوة خارجية، تولّد حقا موضوعيا. "قوات المؤسسة السياسية وتلك الخاصة بتجارة التبادلات، وكذا المبادئ القضائية التي تترجم من خلالها، هي كلها تناقضية القوانين. المؤسسة السياسية سلطوية، تأديبية، منغلقة؛ بينما تحتاج تجارة التبادلات إلى الانفتاح، إنها تعاقدية، وخصوصا منفتحة، وبيحيوية، ودولية. فكيف يمكن الجمع بين هذين المتناقضين؟ كيف يمكن المزاوجة بين الماء والنار؟ من دون شك فإن الضرورة قد ساعدت على حل هذا المشكل، لأنه عندما تصبح تجارة التبادلات متطورة، فإن المؤسسة السياسية تتكيف لضمان اقتصادها الداخلي." (Maurice Hauriou, Principes de droit public, Paris, Sirey, 2e éd., 1916, p. 353). هذا التكيف يتم جزئيا بشكل غريزي، لكن ليس من دون إثارة واحد من أكبر النقاشات الإيديولوجية خلال القرنين الماضيين.

105- تفكك الاقتصاد والسياسة.
إن تفكيك الاقتصادي والسياسي له، كما لاحظنا من قبل، منطق اختزال طبيعة الظاهرتين، ويستتبع ذلك، في الممارسة، عدم الخلط بينهما قدر الإمكان.
إنها الأطروحة الموسومة "بالليبرالية" من طرف الاقتصاديين؛ وعلى المستوى السياسي، يمكن نعتها ب"التدخل المصغر" بما أن الدولة، تبعا لها، لا يجب أن تتدخل إلا في الحد الأدنى. و"تدخلها" ليس مقبولا إلا عندما يكون ضروريا بحيث لا يمكن تلافيه. وكما يقول خصوم "التدخلية": "الخير الذي تفعله الدولة تفعله بشكل سيء، والشر الذي تفعله تفعله بشكل حسن."
لقد اعتقد الفيزيوقراطيون، أول الليبراليين وليبراليو الفلاحة، بأن الاقتصاد مرتهن ليس بالسلطة ولكن بالطبيعة (physis). فثاروا ضد النظام السياسي الاصطناعي واعتنقوا الفيزيوقراطية، أي الخضوع للقوانين الطبيعية التي تتدخل بدون حواجز.
إن المفهوم الليبرالي الكلاسيكي يفصل بين الاقتصادي والسياسي، ويريد أن يكون علما للثروات الخاصة؛ فيقدم نمو هذه كما لو أنها استجابة لميكانيكية طبيعية، مستقلة عن الفعل العقلاني للمجتمع، وخاضعة بشكل حصري لدوافع المنفعة الفردية. وبملاحظة الملمح التقني والمهني للتبادلات، فإنه يجرد الوسط الجغرافي والديمغرافي والقانوني، الذي أنتجها، من كل تأثير.

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس
قديم 23-03-2012, 01:59 PM   #2
الحوراني
الرئيس
الرئيس


الصورة الرمزية الحوراني
الحوراني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  05 2001
 أخر زيارة : 30-04-2024 (11:07 PM)
 المشاركات : 25,709 [ + ]
 التقييم :  396
 الدولهـ
Jordan
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Blue


اهلا عزيزي يحي ،، اشتقنا لتواجدك ايها الطيب ،،،

دعني ارحب بك الآن ، لأقرأ موضوعك بعد ذلك ،،


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
عمل، الاجتماع، السياسي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:34 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا