يحدق بكأسه النصف ممتلئ،النصف السفلي ماء والنصف العلوي..كان يعتقده نصفٌ فارغ!نصفٌ يحتوي على"لاشيء".
وهذا الخط الفضي الماثل فوق سطح الماء..مجرد أفق بلا معنى؟!أيعقل ذلك؟
حين يتلألأ هذا الأفق الفضي فإنه يشير بأنه خط فاصل بين شيء ما مهم وشيء آخر أكثر أهمية،فلا أحد منا ينكر أهمية الماء القابع في النصف الأسفل..وماذا عن النصف العلوي؟!ليس نصف فارغ وإنما ممتلئ بالهواء..وهل ننكر أهمية الهواء؟!
فلمالا نبصره..لمالا نمنحه بعض من الاهتمام ..لمالا نعطي هذا النصف معنى في حياتنا؟!
نظرية الكأس النصف ممتلئ أو النصف فارغ يستعملها البعض في البحث عن أصحاب النظرة المتشائمة،فإن نطقت بأن كأسك نصف فارغ فأنت واحد من تلك الفئة المتشائمة ،لكني اليوم أخبرك بأن كؤوسنا جميعا ممتلئة وما الاختلاف بينها سوى نظرة كل فرد منا لقيمة وأهمية المادة التي يحويها كأسه.
المادة تشغل حيز من الفراغ والهواء باعتباره مادة فهو يشغل النصف العلوي من الكأس،والكثير منا لا يدرك ذلك فيحاول ملئ كأسه بمادة ما!ولكن هل ستعلو أهميتها أهمية الهواء؟! فلو قلنا بأننا سنملأ الكأس ماءاً..سيبقى الهواء هو الأكثر أهمية فما بالنا لو مُلئ هذا الكأس بالأحجار؟!
تحتوي حياة الإنسان على الكثير والكثير من الأمور التي تستحق الاهتمام والرعاية وتنتظر من صاحبها فقط التفاته بسيطة فهناك جوانب ظاهرة لنا ماثلة بجلاء أمام أعيننا تجبرنا على سكب اهتمامنا بها وتعلوها جوانب اكثر أهمية تحيطنا من كل جانب نستشعر وجودها لكنها غير مرئية وبذلك يصعب اكتشافها ويقل الاهتمام بها،فيرى البعض فراغا واسعا في حياته يسبب له عدم اتزان في معيشته وسلوكه فيبحث جاهدا لملأ هذا الفراغ بما يعتقده مهماً وهنا يبدأ الإنسان رحلته في خسارة جواهره الثمينة الواحدة تلو الأخرى حتى تخلو حياته من بريقها ويفقد بذلك قيمة ذاته.
لأن هذه الاهتمامات التي يكرس لها المرء ثمين وقته وجهده هي أقل أهمية بكثير جدا من الماء الذي في النصف الأسفل من كأسه،ولكبر حجمها فهي تسرق حق غيرها من الأمور في الاهتمام والرعاية وهذا ما يفعله أغلب الشباب الذين نراهم يتسكعون في الأسواق وغيرها من الأماكن العامة أمسهم يشبه اليوم ويومهم يشبه غدا لا فرق أبدا
بين الأيام،ليس الشباب فقط هم الفئة الوحيدة التي تخطأ في فهم كأسها والنصف الذي يملؤه الهواء،بل جميعنا نخطأ حتى في فهم قيمة النصف السفلي الذي يملؤه الماء.
لكن مرحلة الشباب هي المرحلة الأكثر حيوية ونشاط وقمة العطاء والطموح،والإنسان يملك طاقات مختلفة عقلية..جسدية..فكرية..مادية..فنية وغيرها من الطاقات جميعها سجينة عندك تنتظر منك أن تحررها وتمنحها بعض من اهتمامك وهي بكامل قوتها وحيويتها في مرحلة شبابك.
احضر ورقتان وقلما واجعل خطا أفقيا يقسم الورقة الأولى إلى نصف علوي وآخر سفلي،ثم أغمض عينيك وتخيل كأسك أمامك..وتأمل كأسك وأنت تملؤه بالأحجار كيف يرتفع الماء حتى يصل إلى حافة الكأس فيقضي على الهواء الذي يمثل الجزء الأهم في كأسك ثم يرتفع الماء أكثر ليفيض فيقل كمية الماء الهام في فكأسك!
تلك الأحجار هي الأمور التافهة التي لا تحمل معناً ولا قيمة..التي احتلت جزءاً كبيراً من حياتك وجعلتك تلتفت لها أكثر من الأمور التي تستحق هذا الاهتمام بحق.
افتح عينيك الآن وابدأ بملأ كأس حياتك الحقيقي.. أمسك القلم وابدأ من النصف السفلي وسجل الأمور التي تستحوذ اهتمامك ورعايتك اليومية مثل أسرتك..عملك..دراستك وغيرها،ثم انتقل إلى النصف العلوي وسجل ما هو أهم وما يجعلك إنسانا سويا كأن تسجل مدى اهتمامك بدينك..صلاتك..علاقتك بربك..علاقتك بوالديك..بجيرانك..معاملتك لمن هم تحت إدارتك..هواياتك.. ثقافتك،وهناك أمور كثيرا لن تسجلها في هذا النصف من الورقة لأنك لم تكتشفها بعد.
لابد بأن النصف السفلي سيمتلأ أكثر من النصف العلوي،تأكد من انك سجلت كل ما تعطيه وقتا واهتماما في يومك حتى برامج التلفاز. الآن ننتقل إلى الورقة الثانية..اقسمها بخط أفقي وأجعلها كأسك..وسجل الأمور الحياتية اليومية التي تستحق اهتمامك والتي تعتبر من أهم واجباتك كعنصر في المجتمع وفرد في أسرتك،وتجنب كتابة الأمور التي تعتقد بأنها أقل أهمية رغم احتلالها جزءا كبيرا من حياتك فهي تمثل الأحجار التي تملأ الكأس بلا قيمة أو معنى،والسجل في النصف العلوي الجوانب التي تجعلك ترتقي بذاتك وروحك..حاول اكتشاف نفسك اكثر والبحث عن قدرات تمتلكها ومواهب تهملها واملأ بها النصف العلوي ثم عد للنصف السفلي وأقرأ ما كتبته بتمعن وهل أنت تمنح هذه الجوانب من حياتك ما تستحق من اهتمام؟!
ثم عد مرة أخرى للنصف العلوي وأقرأ ما كتبت بتمعن وهل أنت حقا مهتم بهذه الجوانب كما تستحق؟!
هذا هو كأسك أمامك..ليس نصف فارغ ولا نصف ممتلئ ولا يتسع لأي حجر لا قيمة له.