عرض مشاركة واحدة
قديم 28-10-2011, 08:30 AM   #891
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 107

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً "107")
قوله:

{إن الذين آمنوا .. "107"}
(سورة الكهف)


سبق أن قلنا: إن الإيمان هو تصحيح الينبوع الوجداني العقدي لتصدر الأفعال مناسبة لإيمانك بمن شرع، ومن هنا كان الإيمان أولاً وشرطاً لقبول العمل، وإلا فهناك من يعمل الخير لا من منطلق إيماني بل لاعتبارات أخرى، والنية شرط لازم في قبول العمل.
لذلك يعاقب الله تعالى من يعمل لغير الله، يعاقبه بأن ينكره صاحبه ويجحده ويكرهه بسببه، بدل أن يعترف له بالجميل. ومن هنا قالوا: (اتق شر من أحسنت إليه)؛ وهذا قول صحيح لأنك حين تحسن إلى شخص تدك كبرياءه، وتكون يدك العليا عليه، فإذا ما أخذ حظاً من الحياة وأصبح ذا مكانة بين الناس فإن كان غير سوي النفس فإنه لا يحب من تفضل عليه في يوم من الأيام ودك كبرياءه؛ لذلك تراه يكره وجوده، ولا يحب أن يراه وربما دبر لك المكائد لتختفي من طريقه، وتخلي له الساحة؛ لأنك الوحيد الذي يحرجه حضورك.
لذلك، من عمل عملاً لغير الله أسلمه الله لمن عمل له، فليأخذ منه الجزاء، وإذا بالجزاء يأتي على خلاف ما تنتظر، فقد فعلت له ليكرمك فإذا به يهينك، فعلت له ليحترمك فإذا به يحقرك، فعلت له ليواليك فإذا به عدو لك؛ لذلك يقولون: العمل لله عاجل الجزاء، أما العمل لغير الله فغير مضمون العواقب، فقد يوفي لك وقد لا يوفي.
ثم أردف الحق ـ سبحانه وتعالى ـ الإيمان بالعمل الصالح؛ لأن العمل الصالح لابد له أن ينطلق من الإيمان ويصدر عنه، فقال تعالى:

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. "107"}
(سورة الكهف)


{وعملوا الصالحات .. "107"}
(سورة الكهف)


يعني: عمل الشيء الصالح، فإن كان الشيء صالحاً بنفسه فليتركه على صلاحه لا يفسده، أو يزيده صلاحاً، كبئر الماء الذي يشرب منه الناس، فإما أن تتركه على حال صلاحه لا تلقي فيه ما يسده أو يفسده فتخرج الصالح عن صلاحه، وإما أن تزيده صلاحاً فتضيف إليه ما يحسن من أدائه ويزيد من كفاءته كأن تبني حوله سوراً يحميه أو غطاءً يحفظه، أو آلة رفع تيسر على الناس استعماله.
والفرد حين يعمل الصالحات تكون حصيلته من صلاح غيره أكثر من حصيلته من عمله هو؛ لأنه فرد واحد، ويستفيد بصلاح المجتمع كله، ومن هنا لا ينبغي أن تستثقل أوامر الشارع تكليفاته؛ لأنه يأخذ منك ليعطيك وليؤمن حياتك وقت الحاجة والعوز، وحينما يتوفر لك هذا التكافل الاجتماعي تستقبل الحياة بنفس راضية حال اليسر مطمئنة حال العسر.
وساعة أن يأمرك الشرع بكافلة اليتيم وإكرامه، فإنه يطمئنك على أولادك من بعدك، فلا تحزن إن أصابك مكروه؛ لأنك في مجتمع متعاون، سيكفل أولادك، بل قد يكون اليتيم في ظل الإسلام وتعاليمه أسعد حظاً من حياته في رعاية أبيه؛ لأنه بموت أبيه يجد المؤمنين جميعاً آباء له، وربما كان أبوه مشغولاً عنه في حياته لا يفيده بشيء، بل ويصد عنه الخير حيث يقول الناس: أبوه موجود وهو يتكفل به.
لذلك يقول احمد شوقي:

ليس اليتيم من انتهى أبواه إن اليتيم هو الذي تلقى له من هم الحياة وخلفاه ذليلا أما تخلت أو أباً مشغولا
وقوله تعالى:

{كانت لهم جنات الفردوس نزلاً "107"}
(سورة الكهف)